كتاب واصل

الهياط.. سرقة الكرم والنعمة

د.خالد الغامدي اخصائي نفسي وخبير تربوي 

الكرم عند العرب كان تاجًا يزين حياتهم، به تُرفع مكانة الرجال وتُعرف عظمة القبائل. كان إكرام الضيف صدقًا في النية، وبذلًا بلا انتظار مقابل، وعنوانًا للأصالة والشهامة. لكن حين اختلطت المفاهيم وابتعد الناس عن جوهر القيم، تحوّل الكرم عند بعضهم إلى مظاهر فارغة سُمّيت “الهياط”، وهي أقرب إلى التباهي والإسراف منها إلى الجود والإيثار.

في الماضي كان للكرم صور معروفة، منها الولائم الكبيرة أو حتى صبّ السمن على أيدي الضيوف تكريمًا لأهل المكانة. وعلى الرغم من المبالغة أحيانًا، إلا أن لها أصلًا في تقدير الضيف. غير أن هذه العادات تحوّلت مع مرور الزمن إلى استعراض أجوف، وظهرت صور دخيلة مثل غسل الأيدي بدهن العود أو المبالغة في الفخامة لا لتعظيم الضيف بل للتفاخر بالترف.

ثم تصاعدت المظاهر حتى وصلت إلى مشاهد صادمة، مثل ما تناقلته وسائل الإعلام عن أكبر صينية مفطح حملها أكثر من ثلاثين رجلًا لمجرد تسجيل رقم قياسي والاستعراض أمام الناس، بينما لا يستفيد منها جائع ولا محتاج. والأدهى من ذلك ما ورد عن تقديم ثماني بنات للضيوف تحت مسمى الكرم، وهو فعل مشين يناقض الفطرة والشرع، ويمتهن كرامة المرأة بدل تكريمها، ويهدم الأسرة بدل أن يحفظها.

هذه الممارسات ليست سوى إسراف يستهلك النعمة بدل شكرها، ويزرع في النفوس قناعة باطلة أن القيمة في المظاهر لا في الجوهر. وقد حذّر القرآن من ذلك فقال تعالى:

﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ [الإسراء: 27].

والنبي ﷺ أوصى بالاعتدال فقال: “كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير سرف ولا مخيلة”.

الهياط لا يضرّ المال فقط، بل يدمّر القيم ويشوّه صورة المجتمع، ويجعل الناس ينظرون إلينا وكأننا نحتفي بالقشور بدل الجوهر. والأسوأ أنه يحرمنا بركة النعمة، فالله وعد بالحفظ والزيادة لمن يشكره، فقال سبحانه:

﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7].

إن علاج الهياط يبدأ من البيت، حيث يُربى الأبناء على التواضع وحسن التدبير، ويمتد إلى الإعلام والمدرسة، لينتهي بمجتمع يكرم من يعطي في صمت ويخدم الناس بصدق، لا من يستعرض أمام العدسات.

اخيرا … الهياط ليس كرمًا، بل انحراف عن الكرم. والعودة إلى روح العطاء بلا إسراف ولا رياء هي السبيل لحماية القيم وصون النعمة وشكر المنعم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى