سقراطُ الكلمة… وخالد الفريجي الذي يوقظ المعنى …!

«وإنّ الله إذا أراد لعبدٍ خيرًا أرسل إليه نورًا يسري من قلبه إلى قلمه… كما فعل مع خالد الفريجي، فصار حرفُه بابًا من رحمةٍ تُطمئن القلب قبل أن يفهم العقل»

✒️ راضي غربي العنزي – كاتب سعودي
في عالمٍ يتكاثر فيه ضجيج الأصوات وتنكمش فيه الحكمة تحت عباءة العجلة، يخرج خالد محمد العويش الفريجي كما يخرج ضوء هادئ في غرفة مزدحمة. لا يطالب بالتصفيق، ولا يبحث عن منصة، ولا يلوّح بيده كي يُرى. كأن الله وهبه تلك السكينة التي تجعل المرء يظهر بلا أن يطلب، ويُحَبّ بلا أن يتصنّع، ويُشار إليه بالبنان لأنه لا يشبه أحدًا إلا نفسه… ولأنه يعرف أن الجمال الحقيقي صنيعة الله وحده، وأن الكلمة لا تُشرق إلا حين تُكتب بقلبٍ يخشاه ويُحبه ويوقن أن كل نبضة لطفٍ إنما هي من رحمة رب العالمين.
وخالد ليس مجرد كاتب، بل هو هندسة كاملة للكلمة. رجل إذا أمسك بالقلم تخلّى القلم عن كبريائه، وسمح له أن يمدّه حتى آخر قطرة معنى. ولهذا سُمّي سقراط أدب المقال الشمالي؛ فهو يقف على الحافة بين الفلسفة والتجربة، بين الحكمة والسخرية، بين العمق والسهولة. يكتب كما لو أن اللغة إحدى ممتلكاته القديمة، وكأن الكلمات تتزاحم لتخرج إليه، لا منه.
مقالاته ليست نصوصًا، بل أبوابٌ تُفتح على بحار. قارئه لا يمرّ عليه مرورًا عابرًا، بل يجد نفسه يبحر في جمل لا تُشبه بعضها، لكنها تشبهه هو، تشبه تلك الزوايا المنسية داخله، تلك التي لم يلمسها أحد قبله. مفرداته تحملك من مزاجٍ مضطرب إلى بستانٍ من الطمأنينة، من ضيقٍ ضبابي إلى فسحة واسعة تعرف فيها أن الله لطيفٌ بعباده، وأن اليُسر المكتوب لك سيأتي وإن تأخر، وأن القلق وهمٌ صنعه الإنسان لنفسه.
وقد عاش الفريجي للوطن، وكتب له، وخدمه عقودًا. رجلٌ حقن قلمه بعرق السنين، فصار القلم معه أشبه بسيفٍ يسطّر لا يجرح. كتب ملاحم يعرفها التاريخ، ويعرفها كل من رأى أثره. تميّز في تحرير الصياغة العربية حتى صار من أعلامها، وتقدّمها بقدَم ثابتة لا تتعثر. فهو مثل ما قال الحكيم كونفوشيوس: “من عرف قيمة العمل، عرف كيف يضع بصمته فيه.” وبصمته لا تتكرر.
ولأنه من رجال اىمسؤولية الذين يمشون برفق، فقد حمل مسؤولياتٍ تشبه جبالًا، ومع ذلك حملها بخفة ورحابة صدر. كفاءة في إدارة الصراعات، وتمكن في مهارات التعامل، وسعة في مرونة التعلم، واتخاذ قرار لا يتردد، ومدربٌ مثالي، ومستشارٌ أسري معتمد، ورئيس لعدة جمعيات، وعضو مؤسس في سبع أخرى، وممثل لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الحضاري أربعة عشر عامًا، أضاف فيها للوطن ما لا يختصر في سطر أو فقرة. ومن إنجازاته العلمية مشاركته في موسوعة الحركة الثقافية والأدبية في منطقة الحدود الشمالية ضمن دارة الملك عبدالعزيز، وغيرها من الأبحاث والمقالات المتقنة التي لا تخطئ بصمته.
ولأن لله حكمًا خفية، ولطفًا يجري على أيدي من يشاء، مرّ خالد قبل أسابيع بموقف يليق بقلوبٍ تعرف الله حق المعرفة. التقى برجل يائس، رجلٍ كان يظن أن الدنيا أغلقت أبوابها بوجهه. جلس خالد أمامه، وقال له بلا خطاب ولا فلسفة، بل بثقة المؤمن: “يا أخي… ما دام الله قائمًا على كل شيء، فلا تسقط قبل أن يأتيك فرجه.” وبعد أيام عاد الرجل دامع العينين، يخبره أن الله فتح له باب رزق لم يكن في حسابه. هكذا يفعل الله؛ يرسل رحمته عبر كلمة، عبر موقف، عبر رجل صادق.
وكثيرًا ما يذكر خالد قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “قيمة كل امرئ ما يُحسن.” وهو يُحسن كثيرًا، حتى يخجل القارئ من نفسه وهو يقرأه. ويقتبس من حكمة سقراط الشهيرة: “ابدأ بمعرفة نفسك.” وبالفعل… من يقرأه يعرف نفسه قبل أن يعرف الكاتب.
وما يميزه أكثر من كل ذلك أنه يكتب بلا تكلف، بلا زينة لفظية، بلا محاولة لإبراز عضلات لغوية. صادقٌ كما لو أن الصدق مهنة يتقنها منذ وُلد. بسيطٌ كما لو أن البساطة تاج، وعميق كما لو أنه يأتي من جيل الحكماء القدماء الذين كانوا يعرفون أن الكلمة مسؤولية وأن الحرف أمانة، وأن الله مطلع على السر والعلن، وأن كل عملٍ لا يُراد به وجه الله فإنه يبهت مع الوقت.
وفي ختام هذا الحديث، لا بد أن نقول الحقيقة كما هي: إن خالد الفريجي ليس مجرد اسم، ولا مجرد قلم، ولا مجرد مسؤول، ولا مجرد أديب. إنه أثر… وأثرٌ يصعب محوه. رجلٌ إذا مرّ بقلوب الناس ترك فيها فرجًا من الله، وإن مرّ بصفحات اللغة ترك فيها حياة. رجلٌ يشبه ما قاله الفيلسوف طاغور: “لا يضيء المصباح لنفسه، بل لمن حوله.” والفريجي مصباحٌ من تلك المصابيح التي أرسلها الله لتكون بركةً لمن عرفها.
يبقى خالد من أولئك الذين لا تُكتب عنهم مقالة واحدة، بل تكتب عنهم مقالات، وتظل ناقصة… لأن بعض الرجال خُلِقوا ليكون حضورهم أكبر من كل الكلام.
● خالد العويش الفريجي ….رجل لايتكرر كثيرا في هذا الزمان …من عرفه أحبه ..وانا اولهم ..
*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 479438
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
Radi1444@hotmail.com



