كتاب واصل

التفاهمات المتبادلة بين الأطراف المتحاربة

بقلم/ منصور ماجد الذيابي

 كنت ذكرت في مقال سابق بعنوان “حرب اليوم الواحد ” أن الحرب التي اندلعت بين إيران و إسرائيل في الأول من أبريل، نيسان 2024 واستمرت لمدة 24 ساعة فقط لم تكن حينذاك إلا فيلما هنديا و مونتاجا خياليا لا علاقة له بواقع الحروب كما يعرفها الجميع من حيث الخسائر في الممتلكات و الأرواح و الأزمات التي تنشأ عن كوارث الحروب فيما يتعلق بجرائم الإبادة والتهجير و التجويع مثلما حدث و يحدث اليوم في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من اكتوبر تشرين أول عام 2023 كما أوضحت في مقالات سابقة بعنوان ” سياسة التهويد والتجويع والتهجير”، و “الوقود مقابل اليهود”. 

أما ما يتعلق بالحرب التي اندلعت مؤخرا بين اسرائيل و إيران في الثالث عشر من يونيو حزيران 2025 واستمرت عشرة أيام استخدمت خلالها الصواريخ الباليستية و أنظمة اعتراض الصواريخ أثناء عبورها أجواء الدولتين كما أشرت مؤخرا في مقال بعنوان ” حرب الصواريخ الباليستية والمنظومات الدفاعية” ، فقد تبين لاحقا من خلال متابعاتي لوسائل اعلامية كانت أشارت الى التصريحات المسربة لمسؤولين بارزين ، و من خلال ما تناقلته وسائل اعلامية و ما صرح به محللين عسكريين أن ما حدث بين الأطراف المتحاربة على أرض المعركة كان يتم بناء على تفاهمات سرية في الغرف المغلقة بدليل أن الضربات الأمريكية للمفاعلات النووية الايرانية في منشآت اصفهان و فوردو و نطنز قد حدثت بعد يومين أو ثلاثة من قيام شاحنات ايرانية بنقل كميات من اليورانيوم المخصب و أجهزة الطرد المركزي ومعدات أخرى تتعلق بالتخصيب الى أماكن أخرى آمنة وبعيدة عن موقع المنشآت سالفة الذكر ما يعني أن الجانب الإيراني كان يعلم مسبقا بتوقيت اقلاع الطائرات الأمريكية وقصف المنشآت النووية الثلاث بعد تفريغها تماما من كل ما تحتويه من أجهزة و يورانيوم و معدات تقنية كانت ستنفجر بعد الضربة الجوية الأمريكية ومن ثم سيحدث تسرب اشعاعي نووي لا يقل خطورة عن كارثة تشيرنوبل الإشعاعية الكارثية التي وقعت في المفاعل رقم 4 من محطة تشيرنوبل للطاقة النووية في يوم السبت 26 أبريل من عام 1986، قرب مدينة بريبيات في شمال أوكرانيا، والتي تعد أكبر كارثة نووية شهدها العالم.

وقد تم سابقا نشر تقييم استخباراتي أمريكي أولي يُشير إلى أن الضربات لم تُدمّر المواقع النووية الإيرانية و أن أجهزة الطرد المركزي والمعدات الخاصة بالتخصيب النووي سليمة. 

كنت اعتقد أن حرب الأيام العشرة ستكون مختلفة عن سابقتها حرب اليوم الواحد من حيث قوة الهجوم الصاروخي بين الطرفين ومن حيث الضربات الأمريكية على المفاعلات النووية في ايران باستخدام طائرات الشبح B2 لا سيما بعد تحريك الولايات المتحدة للفرقاطة الأمريكية توماس هنتر من أوروبا الى شرق المتوسط في اشارة لقرب اندلاع حرب عالمية ثالثة، غير أن ما حدث لاحقا وبعد استهداف قاعدة العديد الامريكية في دولة قطر والتي كانت هي الأخرى قد تم اخلاؤها قبيل انطلاق الصواريخ الإيرانية باتجاه القاعدة العسكرية الأمر الذي أدى الى أثارة الذعر بين المدنيين في المنطقة حيث تمكنت المضادات القطرية من اسقاط البعض منها قبل وصولها لأهدافها ما يشير الى أن السلطات الايرانية كانت أبلغت قطر بأنها تنوي شن هجوم صاروخي على القاعدة الأمريكية لأجل التأهب والإستعداد لمثل هذا السيناريو الحربي وذلك بهدف اقناع الشارع الإيراني و الرأي العام العالمي بأن ايران تمكنت – قبل التوصل لوقف اطلاق النار- من الرد على الهجوم الامريكي الذي استهدف مفاعلات نووية في اصفهان و فوردو و نطنز. 

وكانت مصادر اعلامية تحدثت عن تسريب معلومات استخباراتية امريكية أشارت الى تفاهمات متبادلة بين أمريكا وإيران بشأن موعد القصف الأمريكي على منشآت الأخيرة النووية بعد اشعار الجانب الإيراني بضرورة نقل أجهزة الطرد المركزي واليورانيوم المخصب الى أماكن بعيدة لتفادي حدوث كارثة بيئية وانسانية جراء انبعاثات واشعاعات نووية وبالتالي فإن ما حدث يعد تأكيدًا للتفاهمات الثنائية قبل توقيت الضربات الجوية بين أطراف العملية العسكرية. 

ومما يؤكد هذه التفاهمات وفقا لما تناولته منصات التواصل الإجتماعي من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال في تصريح له أن إيران كانت استأذنت منه قبل قصفها لقاعدة العديد العسكرية. 

من كل هذه المعطيات نفهم أن الحرب التي اندلعت والحرائق التي اشتعلت في المنطقة لم تفض الى الحد من سباق التسلح بين إسرائيل وإيران كما ولم تحد وفقا لخبراء ايرانيين من تخصيب اليورانيوم أو على الأقل تنهي سياسة التجويع و التهجير و توقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر منذ نحو سنتين على مرأى من المجتمع الدولي لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم الكيان الإسرائيلي في سياسته الرامية الى ابادة البشر و احتلال الأرض وارتكاب ابشع جرائم الحرب عبر تاريخ البشرية على كوكب الأرض. 

وكانت بعض التوقعات أشارت الى ان دولة قطر ربما تلقت اتصالات من الجانب الإيراني بأنه يعتزم قصف مقر القاعدة الامريكية في العديد بصواربح غير متطورة ليمكن للدفاعات القطرية اعتراضها واسقاطها بكل يسر وسهولة قبل وصولها لأهدافها وبالتالي فإننا نفهم بأن الضربة الايرانية لمقر القاعدة تمت وفقا لتفاهمات مسبقة بين أطراف الحرب لأجل حفظ ما تبقى من ماء الوجه الايراني قبل التفاوض على وقف إطلاق النار و إنهاء الحرب. 

وفي تقديري أن منطقة الشرق الأوسط ستبقى في حالة من عدم الإستقرار طالما غض المجتمع الدولي الطرف عن جرائم اسرائيل وطالما استمرت الولايات المتحدة في دعم هذا الكيان الغاصب المحتل اضافة لقيام ايران بدعم و تسليح أذرعها العسكرية في المنطقة العربية ما جعل هذه المليشيات تتحرك تحت المظلة الإيرانية لزعزعة الاستقرار و تصعيد التوترات و اشعال الحرائق من الخليج الى المحيط وفقا للتفاهمات الإيرانية مع الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية الراعية لأجل غض الطرف عن البرنامج النووي الايراني و السماح لهذه الدول في المقابل بالاستثمار في مناطق التوتر والحروب كما أوضحت في مقال سابق بعنوان ” الإستثمار الأجنبي في مناطق التوتر”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى