كتاب واصل

أدركوا القوم!

كتبه : الأستاذ فهد ثواب دغيليب الذيابي

هذه العبارة الاستدعائية كانت تُستخدم كثيرًا بين العرب في أوج عطائهم اللغوي وقمة توهجهم. فاللغة كانت هي معينهم الأساسي في تقديم الحجج، وإبداء الآراء، وفصل الكلام، وحل النزاعات، بل وحتى في رسائل الحرب عندما كانت السيوف تقطر دماً. كانت تلك الرسائل تحتوي على ألفاظ حادة ومعاني تسقط كالسِهام، بهدف الحل والربط، والإقناع والتحذير، والمنازعة والنصح والتوضيح، وغيرها من الأغراض التي تخدمها اللغة الزاخرة.

بهذه الطريقة، انطلق ضمضم الغفاري حاملاً رسالة من أبي سفيان إلى قريش، ينذرهم بخبر محمد وأصحابه في اعتراضهم لقوافلهم. بعد أن شق قميصه واعتلى دابته، هتف قائلاً: “يا معشر قريش، اللطيمة اللطيمة (أدركوا القوم)، قوافلكم وأموالكم في يد محمد وأصحابه!”

مثل هذه المواقف، وعبر التاريخ العربي ووقائعه ومحيطه الاجتماعي الواسع، كثيرًا ما استخدمت هذه العبارات الاستدعائية. واليوم، لأن الأمر جلل والخطب اشتد، نحن بحاجة إليها أكثر من مجرد مرور قافلة، وأكثر من إدراك مال. فحربنا اليوم حرب شعواء ضد ظاهرة غزت البيوت وأسرَت العديد من الشباب حتى استسلموا لها واعتادوها، وهي ظاهرة القزع.

فلا يوجد رادع ديني ولا وازع اجتماعي يصدهم عن هذا التشوه البصري الذي أصبحنا نراه كثيراً. لذا، (أدركوا القوم) بالمناصحة والتذكير بقول خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم: “نهى رسول الله ﷺ عن القزع”، متفق عليه. وعنه قال: “رأى رسول الله ﷺ صبياً قد حلق بعض شعر رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك، وقال: احلقوه كله، أو اتركوه كله”، رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى