كتاب واصل

الأباء والإهمال الأسري

بقلم عائض الشعلاني

في زاوية المنزل جلس ذلك الأب كعادته هادئاً لايطلب شيئاً من أحد ،، 

جسده موجود وهو غارقُ في بحر لُجي تتلاطم به أمواجه وتتقاذفه هنا وهناك ،، ولا أحد يشعر به { ما احد طق له خبر } ،، حضوره يتضاءل يومًا بعد يوم ،، بعد أن كان يصول ويجول اتخذ له في البيت زواية كأريكة قديمة اعتاد الجميع على رؤيتها ولم يعد ينتبه له أحد ،، منهكاً صامتاً منطوياً على نفسه ولا أحد يهتم بحضوره أو يُسأل حتى عن غيابه ،، فهو لا يطلب أكثر من الإهتمام بوجوده والأشتياق له والسؤال عنه ،، يريد نظرة فيها امتنان ،، كلمة فيها حنان ،، و لو مجرد كلمة عابرة ،، حسوا بوجوده ياناس حرام عليكم ،، لو بس ” كيف اصبحت ،، وكيف امسيت ” لكن للأسف لا يسأل عن حاله أحد .

لربما يظنون أنه مازال قوياً ومتماسكاً و لكن هو من أختار لنفسه هذه الزاوية وتلك الحياة بطريقته ،، لماذا لأنهم أعتادوا بأن الأباء مكتفون دائماً لا ينكسرون وليس لهم حاجة الى العاطفه أو السؤال ،، وكأنهم يجهلون أو يتجاهلون بأن الأباء كبقية البشر يعتريه ما يعتري الآخرين إلى لفته فيها امتنان فيها لهفة و شوق ،، يحتاجون إلى السؤال عنهم إلى الإهتمام بهم إلى الحب و إلى الإحساس بهم وبمشاعرهم رغم صمتهم لأن الأباء هكذا لايريدون أن ترون ضعفهم وحاجتهم يبدون لكم أنهم متماسكون لكن دواخلهم محطمة ،، كل ذلك رحمة بكم لتستمتعوا أنتم بحياتكم ،، ف ارحموهم من إهمالكم لهم .

الجفاف العاطفي و الإهمال وعدم السؤال لا يأتي فجأة بل يتسلل كما تتسلل أشعة الشمس عند شروقها ،، حتى يجفّ نهر العاطفه من قبل الأهل والأولاد فتتآكل الروح قبل الجسد و يغيب شغف الحياة من الداخل ،، كل ذلك بسبب غياب الكلمات المعبرة والجميلة ،، شكراً لك ،، اشتقنا لك ،، نحبك كثيراً ،، غيابك عنا مؤلم ،، وجودك معنا سعادة ورضى ،، اصنعوا أنتم له السعادة ،، عبر حفلة مصغرة فيها من الإمتنان والشكر والعرفان لوجوده بينكم وأن وجوده بينكم هو أكسير الحياة ،، أبداً لا يريد منكم هدية فاخرة أو احتفال يدعى له الناس أبداً هو اليوم لايريد سواكم أنتم فقط وغيركم حضوره وغيابه متساويان .

في زمن السرعة والانشغالات بالحياة وملذاتها لا يلام الأب على كثرة صمته وإن ندم على شيئ فلربما على ثمن ما دفعه في بدايات حياته من حبٍ كبير وإهتمام عريض وطويل وصبر يشبه إلى حدٍ ما صبر أيوب ،، وكل ذلك و لم يلتفت إليه أحد وقد يموت دون أن يُحتضن ،، الأب ايها السادة ايها الأبناء والبنات أيتها الأم والزوجة العظيمة ليس آلة من الحديد تكدّ طوال السنين حتى ينتهي عمرها الإفتراضي ثم تُركن ،، هو روح تبحث عن الدفء في عيون أولاده ،، وفي حياة زوجته فإن الأب بالصوت العالي يبحث عن كلمة تطمئنه أنه ما زال يُرى ،، ما زال يُحب ،، الكارثه أن نهايته هي التلاشي في قلب الحياة .

قد تصحوا العائلة ذات صباح على توقف قلبه وعند البحث عن الأسباب يقول الطبيب “جلطة مفاجئة ” ليعرف الجميع أن ذلك حصيلة سنوات من الجفاء ولا مبالاة ،، مات من إحساس الوحدة رغم كثرة من حوله وهذه من أقسى أنواع الوحدة وهو بين أهله وأولاده ،، { ولا عنك منشود } 

والعجيب عندما تبكيه العائلة يتغنون بإنجازاته وصبره وعن طيبته يتحدثون ،، ويكتبون عنه القصص والأشعار وينشرون كل ذلك عبر وسائل التواصل الإجتماعي ،، 

ماذا لو عبروا عن تلك المشاعر وهو حي بين ظهرانيهم ،، لماذا دائماً نؤجل الحب و المشاعر الجياشه إلى مابعد الموت؟ ،، فهل ننتبه قبل أن يفوت الأوان؟ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى