
✍️ فهد الرياحي
تصحى من النوم وأنت تعرف تماماً ما يجب عليك فعله اليوم : قرار مؤجل، مكالمة مهمة، خطوة كان يفترض أن تتخذ منذ وقت. لا شيء يمنعك فعلياً، ومع ذلك تؤجل. تقول لنفسك: غداً أفضل… الوقت غير مناسب… لست مستعداً الآن.
تمر الساعات، ثم الأيام، وتبقى في المكان نفسه. تشعر بالضغط يتزايد، والفرص تضيع واحدة تلو الأخرى، بينما تبحث عن مبررات. وحين تتعثر لاحقاً، تلقي اللوم على الظروف، أو الناس، أو الحظ.
لكن الحقيقة التي تهرب منها واضحة في داخلك: لم يكن هناك عدو خارجي، بل كانت نفسك هي من اختارت التراجع.
النفس هي العدو الأقرب، والأدهى حيلة. تبرر الخطأ، تزين التقصير، تؤجل الفعل حتى تضيع الفرص. تجعل الكسل راحة، والتردد حكمة، والغضب قوة… ثم تترك الإنسان يواجه النتائج وحده. كثير من الإخفاقات لم يصنعها خصم، بل صنعتها نفس لم تُضبط، نائمة خلف أعذار مريحة ووهم وسيطرة.
الدليل واضح في حياتنا اليومية: نعرف ما يجب فعله، لكننا نؤجله. نعرف الحق، لكننا لا نطبقه. نملك القدرة، لكننا نختار الطريق الأسهل. ليست المشكلة في قلة الوعي، بل في غلبة النفس حين تترك دون محاسبة أو ردع.
مواجهة النفس ليست سهلة. تتطلب شجاعة لمواجهة ما نكره في أنفسنا، جرأة للاعتراف بالخطأ، ضبطاً للغضب، وصبراً حين يطالبنا القلب بالتهور. بمحاسبة النفس، وكبح اندفاعها، ومواجهة أعذارها، من يملك نفسه عند الضعف، يملك قراره عند الشدة، ويثبت حين تتغير الظروف، ويواصل المسير رغم كل الصعاب.
الأدهى أن النفس أحياناً تتحول إلى سجن داخلي، تقيد أفكارك وتعيق طموحك. تجعل من كل فرصة عائقاً، ومن كل رغبة تحدياً، ومن كل حلم وهماً مؤجلًا. تتسلل خفية، تحاصر إرادتك، وتنسج حولك قيود المواجهة، فتشعر أن الطريق مغلق قبل أن تبدأ الرحلة، وتهدم عزيمتك بصمت. إنها خصم لا يترك أثراً ظاهراً، لكنه يسيطر على كل قرار، ويزرع اليأس داخلك ليقنعك بالتوقف قبل أن تحاول، حتى تصبح كل خطوة مشروطة بموافقته، وكل حلم مرهون بقناعتة .
وفي النهاية، العدو الأقرب ليس من يقف أمامك، بل من يسير معك في كل خطوة. حين تنتصر على نفسك، تنهار القيود الواهية، ويصبح الطريق مفتوحاً أمام إرادتك الصافية. تواصل المسير رغم كل الصعاب، حتى يتحول كل تحدٍ إلى فرصة، وكل صعبٍ إلى درس، وكل حلمٍ إلى واقع ملموس. وهكذا، تعرف أن النصر الحقيقي لا يقاس بما تسحقه أمامك، بل بما تهزمه داخلك .



