كتاب واصل

احذر ..( وباء )..ديسمبر السنوي..

«في الليالي التي لا يسمع فيها أحدُ دبيبَ القَدَر… يرسل اللهُ لطفه في وصيّةٍ صغيرة، تحفظ بها بيتك، وتنجو بها من شيء لا تراه.»

✒️راضي غربي العنزي _كاتب سعودي 

في تاريخ البشر كلّه، كان الخطرُ غالبًا يصرخ قبل أن يصل… إلا ذلك الخطر الذي يأتي هامسًا، يمشي بخفّة، يدخل من ثغرةٍ صغيرة في غطاء إناء، أو من فم قربةٍ لم تُشدّ. خطرٌ لا يراه أحد… لكنه يختبر يقظة الناس. يختبر بيوتهم، وطباعهم، وعقولهم الاجتماعية، بل حتى أخلاقهم البسيطة في التعامل مع الأشياء. هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام:
«غطّوا الإناء، وأوكوا السقاء… فإن في السنة ليلةً ينزل فيها وباءٌ لا يمرّ بإناءٍ ليس عليه غطاء، أو سقاءٍ ليس عليه وِكاء، إلا نزل فيه من ذلك الوباء.»

حديثٌ صغير… لكنه يشبه تلك الشرارة التي تُضيء مدينة لو أُحسن استخدامها.

ليلةٌ واحدة… تكشف معادن أُمّة..!

ما الذي يجعل حديثًا كهذا يقفز عبر القرون؟
ليس لأنه يتحدّث عن وباءٍ مجهول فقط، بل لأنه يكشف جانبًا بالغ العمق من التربية النبوية:
الاحتياطُ قبل الهلاك، والوقايةُ قبل البلاء.
كانت تلك الوصية درسًا اجتماعيًا قبل أن تكون إرشادًا وقائيًا. درسٌ في أن البيت الذي لا يغطي مائه… لا يغطي مشكلاته. والإنسان الذي يترك إناءه مكشوفًا… يترك قلبه مكشوفًا لعلل الحياة.

الأنبياء لا يخبرون الناس كيف يتعاملون مع أوامر الله وحفظه لعباده فقط، بل أيضًا كيف يتعاملون مع المطبخ.

هذه فلسفةٌ لا يفهمها إلا من يعي أن الدينَ ليس مجموعة أوامر، بل هندسةُ حياة.
كل غطاءٍ تضعه على إنائك… هو فعل احترام للحكمة التي تسبقك.

وبين العرب والعجم… إشارات لا تتقاطع عبثًا

أشار ابن القيم – وهو يتتبع أسرار الحديث – إلى أن بعض الأعاجم، خصوصًا الفُرس، كانوا يعرفون ليلةً معينة في السنة يخشون فيها فساد الطعام وانتشار الوباء، ويجعلون ذلك في شهر (كانون الأول.ديسمبر الجاري)
لا يهمّ أن تكون هذه الليلة في ديسمبر أو في ليلةٍ أخرى؛ فالوحي لم يُحددها، ولم يطلب منا تحديدها… بل طلب الالتزام بالاحتياط طوال السنة.

وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لنا:
“لا تنتظر الوباء… أغلق أبوابك دائمًا.”

الإنسان الذي يغلق أوانيه في كل ليلة… هو إنسان يغلق فوضاه قبل أن تصبح كارثة.

● بين الفلسفة والطب… قيمة التفاصيل

هل كان الحديث نبوءة طبية؟
أم حكمة فلسفية؟
أم درسًا اجتماعيًا في الانضباط؟
أم كل ذلك معًا؟

في أي قراءة، ستجد أن النبي صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي هو يربّي داخلك حسّ المسؤولية.
الماء المكشوف ليس مجرد ماء.
الطعام المكشوف ليس مجرد طعام.
إنهما رمزان… لحياتك كلها.

البيت الذي ينهار… يبدأ من تفصيلة صغيرة لم ينتبه لها أصحابه.
والأسرة التي تتفكك… تبدأ من كلمة لم تُغطّ.
والقلب الذي يتلوث… يبدأ من نافذة تُركت مفتوحة لشيءٍ عابر.

التغطية ليست فعلًا مادّيًا فقط، بل فعلٌ فلسفي:
احفظ ما تحب… قبل أن يطرق الخطر بابك.

الوباء الصامت… الذي يختبر المنطق

الناسُ عادةً يخافون مما يرونه:
دخان، دم، ضجيج، أخبار.
لكن أخطر الأوبئة تلك التي لا تملك صوتًا.
يهبط في ليلة لا يعرفها الناس، يدخل البيوت بهدوء، وينتقي من الأواني ما تُركت بلا مبالاة.

كل وباء – مهما كان شكله – هو اختبار للمنطق البشري:
هل تتعامل مع الحياة بعقل؟
هل تدير التفاصيل الصغيرة كما تدير الخطوط العريضة؟
هل تمنع الضرر قبل وقوعه… أم تنتظر حتى يقع لتتفرج على نتائجه؟

النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل:
«إذا رأيتم الوباء فانزعوا الأغطية.»
بل قال:
«غطّوا الإناء»… من قبل أن يحدث شيء.

الاحتياط عبادة.
الانتباه عبادة.
ورعاية البيت عبادة.

ما الذي نستفيده اليوم؟

في زمنٍ امتلأت فيه البيوت بالتكنولوجيا، والأطعمة المعلبة، والمكيفات، والثلاجات… عاد الحديث ليقول لنا:
«الوقاية ليست عادة قديمة… بل سلوك حضاري.»

الناس تسافر بسيارات حديثة… لكنها تهمل وضع غطاء على إبريق ماء.
يبنون ناطحات سحاب… وينسون أن الكبرياء لا يمنع البعوض من الطيران.
يعيشون في مدن مستقبلية… لكنّ صحة قلوبهم وأجسادهم ما زالت تُختبر بأشياء بسيطة.

نحن في الحقيقة لا نعيش بتقدمنا، بل بانضباطنا.

● رسالة إلى كل بيت …

في كل مرة تغطّي إناءك قبل النوم… أنت تصنع أمور منها:

1. تطيع نبيك.

2. تعلّم نفسك وأسرتك أن الحياة تُدار باحترام التفاصيل.

3. من يترك الأشياء الصغيرة بلا عناية… سيخسر الأشياء الكبيرة بلا معركة.

لذا…
غطّوا أوانيكم، وأغلقوا قلوبكم عن الفوضى، وأحكموا غطاء حياتكم من كل الثغرات.
فالليل له رسائل لا تصل إلا للمنتبهين… وللقلوب التي تعرف أن الحكمة ليست في حجم الشيء… بل في أثره.

قال تعالى:
﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾
[البقرة: 195]

وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«فإن في السنة ليلةً ينزل فيها وباء…»

هكذا تتجلى عظمة هذا الدين:
يوصي بحفظ الله السماوي… ويوصي بالأواني.
يحفظ الجسد… ويحفظ العقل.
ويذكّرك دومًا أن الوقاية ليست رفاهية… بل هي طريقة تفكير، وطريقة عيش، وطريقة نجاة.

●انتبه …أنت الآن في دبسمبر فغطي الأواني…!

*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 479438
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
Radi1444@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى