لغزُ الرحمةِ الأخيرة “The Last Riddle of Mercy”
✒ راضي غربي العنزي — “كاتب سعودي”
«ولولا لطفُ الله برحمته الواسعة، لذبلت أرواح كثيرة قبل أوانها، لكن حكمة ربّ كريم يحفظ عباده جعلت الرفق طريقًا، والوعي نورًا يُقيم في القلوب بلا ضجيج»
كلما ازداد وعي الإنسان، ازداد لطفه. فالنظر العميق يخلق خشية داخلية من إيذاء أي قلب، والذين يفهمون أعماق البشر يدركون كم هو موجع أن تنكسر روحٌ لا تُرى، لذلك يمشون في الحياة بخفّة .. بلا صوت، تحترم هشاشة الآخرين.
فالشرّ لا يخرج من رحم النضج، بل من ضيق الأفق، ومن عقلٍ لا يرى إلا نفسه. أما أصحاب الوعي الحقيقي، فهم أُناس ألطف الناس وأصدقهم كلمةً ولمسةً، لأنهم يدركون أن الجراح تبقى طويلة، وأن القسوة ليست دلالة قوة، بل علامة نقصان في الفهم. وهؤلاء، مهما صمتوا، يعرفون أن رحمة الله تتجلّى في طريقة تعامل العبد مع عباده، فهي ليست شعورًا فقط… بل عبادة تُمارس بلا إعلان.
وقد قال سقراط: «العقول الضيقة تتشبث بالقسوة»، ورأى أفلاطون أن المعرفة نور، لكن الوعي — ذلك الفتح الرباني — هو النور الذي يعلّم الإنسان كيف يمسك بالحقيقة دون أن يمزّق بها قلبًا. أما ابن عطاء الله السكندري، فكان يردد: «من رقّ قلبه للخلق… رقّ له الحقّ». وما أقرب هذا المعنى لقول النبي ﷺ: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله». فالوعي يربّي القلب على الرحمة، والرحمة تجذب عطاء الله، وما اجتمع اللطف مع الإيمان إلا صلح العالم من حولهما.
وفي عالم تطغى عليه الصيحات والجدالات، يُصبح اللطف فعلًا شجاعًا. فالمؤمن الواعي لا يرفع كلمته فوق حاجتها، ولا يغضب حتى ينسى وصية الله: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾. آية واحدة كفيلة بأن تُطفئ كل حرائق العالم .. لو أخذ بها الناس كما ينبغي. فالوعي ليس مصطلحًا فلسفيًا، بل طريقة للحياة… طريقة أقرب إلى السكينة منها إلى الجدل.
وتُروى قصة حديثة عن شاب أثقلته الخسارات حتى ظن أن العالم ضاق به. جلس يبكي بصمت، فجاءه رجل كبير في السن وقال: «يا بني… إن الله إذا أراد لك خيرًا، جعل من أثقالك سلّمًا ترتقي به». لم تكن الجملة معجزة، لكنها — بإذن الله — أضاءت عتمة قلبه. نهض، مدّ يده لمساعدة غيره، وبدأ يبتسم رغم الجراح. قال لاحقًا: «ما إن بذلتُ لطفًا لوجه الله، حتى رأيت أبوابًا تُفتح لم أكن أراها». تلك هي المعادلة: الوعي لا يعالج الجراح فقط… بل يلهم صاحبه أن يحيا رغمها.
والساخر الواعي لا يضحك من الناس، بل من نفسه أولًا، يدرك أن الحقيقة لا تحتاج صراخًا، وأن القسوة ليست مهارة، وأن القلب الذي يعرف الله يستحي أن يجرح من خلقه. لذا تراه هادئًا، رحيمًا، يمضي بخفّة من يفهم أن الرحمة ليست ضعفًا… بل أعلى درجات القوة.
وعند كل اختبار، يتقدم الوعي بخطوات ثابتة. يراجع الإنسان نبرته قبل كلامه، وكلامه قبل غضبه، وغضبه قبل أن يتحوّل إلى أذى. فالمؤمن ليس صوته عاليًا، بل أثره طيبًا. وليس وعيه كثير الكلام، بل كثير الفهم.
إن الوعي ليس بوابة معرفة فقط، بل عبور إلى نور التوحيد. عبورٌ من فوضى النفس إلى اتزانٍ تزرعه رحمة الله في قلب عبده. وكلما ازداد الإنسان قربًا من الله، ازداد رفقًا بخلقه… كأن اللطف يُصبح لغة لا تحتاج إلى شرح.
•همسة….
ردد: «من رقّ قلبه للخلق… رقّ له الحقّ»…!
●ابتسم …فهناك من يحبك …ويكتب لأجلك ..!
*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 479438
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
Radi1444@hotmail.com



