كتاب واصل

“أحياء في .. جماجم أموات”

بروح جديدة ..

بقلم: فهد الرياحي

قد يبدو العنوان صادماً بعض الشيء، لكنه لا يتجاوز صدمة الواقع الذي نعيشه اليوم. واقع تتساقط فيه الروابط الإنسانية كما تتساقط الأوراق اليابسة حين تجف شجرة كانت يوماً عامرة بالحياة. انكمشت القلوب، ضاقت مساحات التواصل، وأصبح الكثيرون في عزلة داخلية حتى وهم بين الناس.

شهدت مجتمعاتنا في السنوات الأخيرة تحوّلات عميقة انعكست على سلوك الأفراد وطريقة تفاعلهم. فكثير من القيم الانسانية التي شكّلت أساس العلاقات—كالتواصل، والمساندة، واللقاء العامر بالمحبة —بدأت تتراجع بغياب جيلٍ حمل هذه القيم وعاشها حقيقةً. فقد رحل أولئك الذين كانت تجمعهم الأخوة وتنظم لقاءاتهم المودة، وكان حضورهم يضفي استقراراً اجتماعياً ومعنوياً. ومع رحيلهم، انطفأت بعض المساحات المضيئة التي كانت تمنح العلاقات روحاً وعمقاً.

لم نفقد أشخاصاً فحسب بل فقدنا نسيجاً كاملاً من المعاني، فقدنا اتزان الحياة الذي كانوا يمثّلونه. كانوا نوراً ينظم الفوضى، وسكينة تزيل قسوة الأيام، وميزاناً يعيد للعلاقات مسارها الطبيعي. ومع غيابهم، لم تتغير البيوت فقط، بل تغيّرت الأرواح . اتسعت الفجوات، وازدادت الوحشة . وصارت المجالس بلا نفس، واللقاءات بلا روح.

لقد أصبحت البيوت أكثر هدوءاً مما ينبغي، والقلوب أكثر انغلاقاً مما اعتادت عليه. لم يعد التواصل كما كان، ولم تعد المجالس كما عهدناها. وبين السؤال والآخر يبرز سؤال جوهري : هل تغيّر الناس حقاً، أم أن غياب جيلٍ محمل بالقيم الأصيلة أفسح المجال لفراغ يصعب ملؤه ..؟

يبدو أن المسألة تتجاوز اختلاف الأجيال . فهي تحول ثقافي واجتماعي عميق رافقته ضغوط الحياة الحديثة، وانشغالاتها المتسارعة، ووسائل التواصل التي قربت المسافات ظاهرياً وعمقت العزلة جوهراً.

ومع ذلك، تبقى ذكريات الراحلين حاضرة، تذكّرنا بما كان، وتعيد إلى أذهاننا قيمة العلاقات التي تُبنى على المحبة الصادقة والمساندة الحقيقية. فهؤلاء الذين رحلوا تركوا وراءهم أثراً ممتداً، لا يزال يضيء لنا الطريق .

وفي نهاية المطاف، لا نملك إلا أن ندعو للذين غيّبهم الموت:
اللهم ارحم من كانوا لنا سنداً ورفعة، واغفر لوالدينا، واجعل لهم في جناتك مأوى وقراراً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى