🖊️راضي غربي العنزي”كاتب سعودي”
في المشهد الأول من الحكاية تهطل رحمة الله كما المطر حين يأتي في وقته، فتغسل الأرض من غبارها وتعيد للروح صفاءها الأول. في لحظات كهذه يدرك الإنسان أن الطيبة ليست فعلًا بشريًا صرفًا، بل نفحة من لطف الله سبحانه وتعالى تتجلى في بعض عباده لتذكّر الآخرين أن الخير لا يزال ينبض في هذه الدنيا، وأن القلب النقي هو مرآة صغيرة لرحمة الخالق العظيم.
الشيء الوحيد الذي يبهرني حقًا هو الطيبة. لا يهمني ما تملك، ولا أين تعيش، ولا ماذا تقود، ولا كيف ترتدي. ما يجذبني فعلًا هو نقاء القلب وصفاء النية. فالجمال الحقيقي لا يُقاس بملامح الوجوه ولا بمظاهر الزينة، بل بما يحمله الإنسان في داخله من نورٍ من الله وسكينةٍ من رحمته.
قال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ (الشعراء 88–89).
وقال رسول الله ﷺ: “إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.” (رواه مسلم).
في زمنٍ امتلأ بالضجيج أصبحت الطيبة لسان الصالحين، وعبادةً صامتة يمارسها الذين يعرفون الله حق المعرفة. فالله سبحانه وتعالى هو من يزرع النور في قلوب من أحبّ، فيجعلهم رُسل رحمةٍ في الأرض، يواسون الضعفاء، ويغفرون للمخطئين، ويُحسنون حتى لمن أساء.
قال جلال الدين الرومي: “ليس الجمال في الوجه، بل الجمال جمال القلب.”
وقال غاندي: “القوة لا تأتي من المقدرة الجسدية، بل من الإرادة الطيبة.”
وقال تولستوي: “الطيبة وحدها تجعل الإنسان إنسانًا.”
الطيبة ليست ضعفًا، بل بصيرة يرى بها القلب ما لا تُدركه العيون. هي صبرٌ على الأذى، وإصرارٌ على أن نكون رحماء كما أرادنا الله. الإنسان الطيب لا ينتظر المقابل، لأن عطاؤه عبادة، وصدقه قُربة، وفعله امتثالٌ لأمر الله الذي قال: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ (البقرة: 83).
حين يتأمل الإنسان الطيب الكون يرى الله في كل شيء: في نسمة هواء، وفي دفء الشمس، وفي عيونٍ تسامح رغم الألم. ومن عرف الله استحيا أن يقسو واستحيا أن يؤذي، لأن رحمته تلبسته كما يلبس المطر الأرض، فتورق منه حياة جديدة كل يوم.
كلما تقدمنا في العمر ازداد يقيننا أن أعظم الجمال هو جمال الروح الذي يُرضي الله لا إعجاب الناس. وأن الطيبة ليست ترفًا في عالمٍ قاسٍ، بل واجبٌ روحي يعيدنا إلى جوهرنا الأول، أننا خُلقنا لنعمر الأرض بالرحمة لا بالغرور.
كأن المطر يهطل الآن على ذاكرة القلب. يغسل الغبار عن النوايا، ويعيد التوازن إلى الأرواح التي أتعبها التيه. وحين تتساقط تلك القطرات، ندرك أن الله سبحانه وتعالى لا يزال يُنبت فينا الخير رغم كل ما ذبل من حولنا.
إن الطيبة ليست خُلقًا اجتماعيًا، بل هي طريقٌ إلى الله، ووسيلةٌ لرضاه، وعنوانُ من عرف أن القرب الحقيقي لا يُقاس بالمسافات، بل بصفاء القلب الذي يُحب في الله، ويعفو لله، ويمنح دون أن ينتظر شيئًا إلا وجه الله.
ستمطر… وسيغسل الله قلوبنا من غبار الأيام، ليبقى فينا ما يليق به من نورٍ وصفاءٍ وطمأنينةٍ لا تزول.
https://wa.me/966596001883
*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 497438
_____________________________________________
_
Radi1444@hotmail.com