تكلّم ..حتى أراك !
“حين يصمت العقل ويتكلم الصدى، تُصبح الحقيقة أول ضحايا الضجيج.”
✍️ راضي غربي العنزي – كاتب سعودي
لا تسمح لأحدٍ أن يغسل عقلك أو يزرع فيك كراهيةً تجاه إنسانٍ لم تره بعينك ولم تجربه بقلبك. أن تعمل بالنيابة عن غيرك عبءٌ لا يخصك وتشويشٌ على بصيرتك. مشاكل الآخرين ليست مشكلتك، ومشاعرهم لا تُلزمك بالحكم على أحدٍ من زاويتهم. كن نقيًّا في حكمك، حرًّا في رأيك، وعادلًا في شعورك. فأخطر أنواع التلاعب أن تكون دون أن تفكّر، وأن تبتعد دون أن تُجرّب. احكم من تجربتك، لا من رواياتٍ مشحونةٍ بالغضب.
قال الله تعالى:
> ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6]
هذه الآية ليست توجيهًا عابرًا، بل منهج حياةٍ يحرس الوعي من الزلل. إن الله يأمرك بالتبيّن لأن العجلة في إصدار الحكم قد تجرّك إلى ظلمٍ لم تقصده وندمٍ لا يمحوه الاعتذار.
احذر من الغيبة والنميمة، فهما يبدوان خفيفتين على اللسان لكنّهما ثقيلتان في الميزان. قال الله تعالى:
> ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: 12]
تأمل هذا المشهد القرآني المزلزل: الغيبة ليست رأيًا عابرًا، بل أكلٌ للحم أخيك ميتًا. وقال النبي ﷺ:
> “لما عُرج بي مررت بقومٍ لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم. فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم.”
يا للعبرة! إن الله لا يغضب من الكلمة فحسب، بل من الأثر الذي تتركه حين تُنقل بلا وعي. فكل كلمةٍ ظالمة سهمٌ في صدر العدالة.
تذكّر أن نقل روايات الآخرين دون تجربةٍ منك طريقٌ مظلم يبدأ بالفضول وينتهي بالعداوة. كم من إنسانٍ كُره ظلمًا لأن أحدهم روى عنه نصف حكاية! وكم من قلوبٍ تفرّقت لأن الغضب كان أسرع من العقل!
قال سقراط: “تكلّم .. حتى أراك.” لكنّ مأساة عصرنا أننا نحكم قبل أن نرى، ونبتعد قبل أن نفهم، ونكره قبل أن نعرف. نحاكم الناس من رواياتٍ مشحونةٍ بالغضب وننسى أن الحقيقة غالبًا تسكن في المنطقة التي لم يتكلم عنها أحد.
قال الله تعالى:
> ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46]
حين تعمى القلوب ترى الزيف صدقًا والصدق زيفًا. لا تسلّم بصيرتك لأحد، ولا تجعل الانفعال يقودك. فالعقل الذي يفكّر قبل أن يحكم يُنقذ صاحبه من ظلمٍ لا يُدركه إلا بعد فوات الأوان.
فاصلة ….
احكم بنفسك، وجرّب قبل أن تُدين. لا تكره أحدًا من حكايةٍ رواها غاضب، ولا تُعادي من لم تُخطئه يدك أو لسانك. فالعقل الذي يخطئ وهو صادق، خيرٌ عند الله من عقلٍ يتبع بلا وعي.
> “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت.”
فكّر قبل أن تحكم، وتكلّم حتى تُرى… لا حتى تُقال.
*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 497438
_____________________________________________
Radi1444@hotmail.com