كتاب واصل

سأجعله يندم …!

✍️ راضي غربي العنزي – كاتب سعودي

يا الله… كم أصبح الانتقام هواية هذا العصر!

كأن الناس اتفقوا أن يفتحوا “سوبرماركت الحقد” على مدار الأربع والعشرين ساعة!

تخيل أن أحدهم يراك تبتسم، فيظن أنك تستهزئ به، فيُقسم أن ينتقم!

والآخر لم يعجبه تعليقك على منشوره، فيقرر أن يقاطعك “انتقامًا”!

حتى الأطفال لم يسلموا، أحدهم يكسر لعبة الآخر فيقول: الانتقام قادم!

صار العالم يعيش حفلةً من الجنون الملوّن، يرقص فيها المنتقمون على رماد قلوبهم وهم يصفقون لأنفسهم!

الانتقام يا سادة… ليس بطولة، بل دليل أن قلبك ما زال صغيرًا جدًا، يختنق من فكرة الغفران.

هو مرضٌ مزمن اسمه “أنا لم أعد أتحمل!”، تبدأه بدافع الكرامة، وتنهيه وأنت فاقد للكرامة والعافية.

حين يستحوذ الانتقام على قلب إنسان، لا يبقى فيه مكان لله.

لأنك لا تستطيع أن تسكن الجنة وفي صدرك نار، ولا أن تبتسم وفي داخلك عاصفةٍ داخلية.

المنتقم لا ينام، لأنه حين يطفئ النور يسمع صدى جملته المفضلة:

“سأجعله يندم…”

لكن يا عزيزي، الذي يندم أولاً هو أنت.

> “وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ”

[الشورى: 43]

الله لم يقل: “ولمن انتقم فقد أخذ حقه”

بل قال: “ولمن صبر وغفر” — لأن الغفران أعلى درجات القوة، وليس ضعفًا كما يظن المساكين الذين يعيشون على تصفيق الآخرين.

المشكلة أن المنتقم يعيش وهمًا اسمه العدالة الشخصية…

فيبدأ يصنع لنفسه محكمة في خياله، يعيّن نفسه القاضي والجلاد والمتفرج!

ثم يحكم على خصمه بالنفي الأبدي من قلبه، كأنه قاضٍ متعجرف بلا رحمة!

يا صديقي المنتقم، تعال نكون صرحاء:

حين جرحت، لم تمت.

وحين عفوت، لم تخسر.

لكن حين انتقمت، خسرت نفسك — تلك التي كان يمكن أن تظل طيبة، نظيفة، صافية مثل نهرٍ لم يتعلم الغليان بعد.

الناس الذين ينتقمون يعيشون بشعارٍ مأساوي: “لن أرتاح حتى أراه يتألم!”

طيب، رأيته يتألم؟

مبروك! والآن… ماذا بعد؟

صوت في داخلك يقول: “أنا لا أشعر براحة.”

طبيعي جدًا، لأنك لم تنتصر.

بل شاركته السقوط نفسه، ولكن ببدلةٍ أجمل!

نحن في زمنٍ غريب؛ كل من عفا يُتهم بالضعف، وكل من صبر يُتهم بالجبن، وكل من قال “الله يسامحك” يُتهم بالنفاق!

صار الناس يخافون من الطيبة كأنها وباء، ويحبّون القسوة كأنها درع نجاة!

لكن تذكّر، الله لا يرفع إلا من رحم.

العفو لا يعني أنك رضيت بالإهانة، بل يعني أنك رفضت أن تصبح صورةً من عدوّك.

والانتقام لا يُعيد حقًا، بل يسرق آخر ما تبقّى منك: سلامك الداخلي.

وفي نهاية الفيلم — نعم، الفيلم لا الحياة — يظهر المنتقم في آخر المشهد،

يرتدي نجاحه المزيف كدرعٍ صدئ،

ينظر حوله…

لا أحد يصفّق، لا أحد يبارك، حتى نفسه لا تصدّقه!

يبتسم ضاحكًا من مرارة الخسارة ويهمس:

“يا ليتني عفوت… فقد انتقمت من قلبي لا منهم.”

وهنا تنتهي الحكاية،

ويبقى صوت الحق من السماء يذكّرنا:

“ادفع بالتي هي أحسن” — لا لتربح الناس، بل لتربح الله.

*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 497438

_____________________________________________

Radi1444@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى