كتاب واصل

الطيبة… سلاحك الذي يخيف الجميع

لأولئك الذين يظنون أن الطيبة ضعف… إنها سر القوة الحقيقية.

بقلم/ راضي غربي العنزي – كاتب سعودي

الطيبة ليست شعورًا لطيفًا، ولا وسادة ينام عليها الجميع، بل قوة صامتة تحكم قلبك وعقلك معًا. كثيرون يظنون أن الطيبة وحدها تكفي ليكونوا محبوبين، فيغرقون في العطاء بلا وعي حتى يُستنزَفوا، ثم يصابون بخيبة الأمل حين يكتشفون أنهم استُغِلّوا باسم القلب الأبيض. وهنا يظهر التجاهل، وهنا تبدأ القسوة، وهنا تضيع المعادلة بين الاحترام والحب.

الطيبة الواعية هي أن تعرف متى تقول نعم ومتى تقول لا، أن تُسامح بلا أن تسمح للآخرين بإعادة خطأهم، وأن تُساعد دون أن تتحول إلى مطية يُستغل بها كل من حولك. هي فن التوازن بين قلب رحيم وعقل يقظ، بين عطية صادقة وحدود تحميك وتحمي الآخرين.

القسوة وحدها كجدار أملس لا يُتكىء عليه، والطيبة المطلقة كالرمل الناعم يبتلع كل من يقف عليه. أما الطيبة الحكيمة فهي التربة الصلبة، صالحة للزرع وخصبة للحياة، لكنها تحفظ شكلها وقيمتها.

أمثلة واقعية

المعلم الطيب الذي كان يتساهل في كل شيء فقد احترام طلابه، لكنه حين مزج بين الحزم واللين صار محبوبًا بصدق لا استغلالًا.

الصديق المتوازن الذي وضع حدودًا واضحة مع أصدقائه بقيت صداقاته حقيقية، وتلاشى الزيف حوله.

الأب الرحيم الذي أعطى الحرية لأبنائه مع التمسك بالمبادئ، خرجوا محبين له ومحترمين، لا خائفين منه.

الطيبة قوة داخلية

الطيبة ليست ضعفًا، بل سلاح داخلي يضبطك قبل أن يؤثر في الآخرين. أن ترى الألم ولا تزيده، أن ترى الخير فتدعمه، وأن تعرف حدود كل علاقة. الطيبة الواعية شجاعة لأنها تُبقيك إنسانًا في زمن تتسابق فيه القلوب لتصبح آلات باردة أو ذئابًا مفترسة.

قال الله تعالى:

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: 159]

وقال النبي ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ» (متفق عليه البخاري ومسلم)

الرحمة واللين أساسان لفتح القلوب، لكنهما لا يمنعانك من وضع حدود تحمي نفسك وتحمي الآخرين، وهو جوهر الطيبة الواعية.

الخلاصة

الطيبة ليست لكسب محبة الجميع، وليست مجرد شعور يدفن قلبك تحت صحراء الآخرين. الطيبة قوة قاتلة إذا وُضعت في مكانها، وضعف قاتل إذا غُمرت بلا وعي. كن رحيمًا بلا استسلام، حكيمًا بلا خوف، قويًا بلا قسوة، وأعط قلبك لمن يستحق فقط. من يعرف قدر طيبته، يعرف كيف يُحب ويُحَب… والبقية؟ لتتوه في صحراء القلوب الباردة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى