هل أشعر بالأمان معك ؟!
بقلم/ راضي غربي العنزي – كاتب سعودي
يا سادة… نحن جيل يُعلّق كل آماله على كلمة صغيرة اسمها “الحب”، وكأنها لمسة خارقة قادرة على إصلاح كل شروخ العلاقات. نرددها، نكتبها، نتمسك بها حتى الوهم، ونظن أنها وحدها تكفي لإبقاء بيتٍ عامر أو صداقة طويلة أو حتى علاقة عابرة. لكن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير؛ الحب ليس أكثر من زينة عاطفية سرعان ما تسقط إن لم يكن لها أساس متين يحميها اسمه الأمان. علاقة بلا أمان أشبه ببيت من زجاج، يلمع للحظة، ثم يتكسر مع أول حجر صغير.
المشكلة أننا صنعنا من الحب شماعة، نعلّق عليها كل خيباتنا، بينما جوهر الاستقرار غائب. الزوجة لا تبحث عن وردة كل مساء بقدر ما تبحث عن يقين يطمئن قلبها أن الغدر لن يطرق بابها فجأة. وحين وصف الله الزواج في كتابه، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾؛ السكن والأمان قبل المودة، فالاستقرار أساس، والحب ثمرة.
الصديق لا ينتظر عبارات المديح بقدر ما ينتظر أن يختبرك عند لحظة بيع، هل ستبقى أم ستغادر؟ هنا نتذكر حديث النبي ﷺ: “المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم”، أي أن معيار الإيمان الحقيقي هو الأمان لا الكلام المنمق. حتى الموظف لا تهمه ابتسامة مديره بقدر ما يهمه أن يستيقظ صباحًا وهو واثق أن لقمة عيشه ليست رهينة مزاج متقلب.
كل علاقة في النهاية تقوم على سؤال واحد: هل أشعر بالأمان معك؟ فإذا كان الجواب نعم، فالحب ينمو ويزدهر ويصبح له معنى. أما إذا كان الجواب لا، فكل قصائد العالم لن تنقذ علاقة تهتز في أساسها. المجتمع لم يدرك بعد أن الحب بلا ضمان ليس سوى استعراض مؤقت ينتهي مع أول موقف جاد، وأن العلاقات الحقيقية تُبنى على الثقة واليقين لا على اللحظة والعاطفة العمياء.
لا تخدعوا أنفسكم إذن. الحب وحده لا يكفي ولن يكفي. إنه شعلة جميلة لكنها سريعة الانطفاء في مهب الريح، بينما الأمان هو السقف الذي يحفظ النور من الانطفاء ويمنح القلب طمأنينة لا تشتريها آلاف الكلمات. إن أردتم علاقة تبقى، فابحثوا عن الأمان أولًا، ثم اتركوا للحب أن يتنفس في ظله.
والخاتمة التي ربما تُغضب البعض لكنها الحقيقة: نحن مجتمع يبيع بعضه لبعض كلمات حب في النهار، ويطعن بعضه في الليل بخناجر الغدر. نضحك على بعض بقلوب حمراء في المناسبات، ثم نكشف وجوهنا الحقيقية حين تنطفئ الأضواء. ومن لم يفهم بعد، فليعلم أن الحب لا يحفظ أحدًا، الأمان وحده هو الحارس… والبقية مجرد مسرحية سيئة الإخراج!
——‐———-
📩 Radi1444@hotmail.com