كتاب واصل

حين يتحول التافهون إلى قدوات… لا بد أن نزأر بالمقاطعة!

 بقلم: راضي غربي العنزي – كاتب سعودي

في زمن تحوّل فيه “الترند” إلى دين جديد، وصار نجم التيك توك أهم من فيلسوف أو عالم أو مخترع، وجدنا أنفسنا أمام كائنات تُسمى مشاهير. لكنهم لا يشبهون الشهرة إلا بالاسم. لا يعرفون من التأثير إلا بقدر ما يدرّ من الإعلانات، ولا من القيم إلا ما يتناسب مع “الكاميرا الأمامية” وفلتر التجميل.

اليوم تعالت الأصوات، وصار هاشتاق #قاطعوهم يزأر في محركات البحث، لا لأن الناس كرهوا الضحك أو الترفيه، بل لأنهم سئموا من ضحالةٍ تُباع لهم في علب لامعة، ومن أخلاقٍ تُهرّب عبر مقاطع قصيرة لا تتجاوز الدقيقة… لكنها كافية لإفساد جيل كامل.

لقد صار بعض هؤلاء يظن أن كل ما يهزّ المتابع يصلح أن يكون محتوى: رقص رخيص، تفاهة معلبة، جدال مبتذل. وحوّلوا صفحاتهم إلى أسواق إعلانات: كل شيء معروض، من مشروب يفتك بالكبد إلى مسحوق يزعم تلميع السعادة. ومن وراءهم شباب ينساقون بتقليدٍ أعمى، حتى صاروا نسخًا كربونية من “اللا قدوة”. وحين احترق العالم من حولهم، آثروا تصوير فنجان قهوة على أن يلتقطوا موقفًا يليق بالإنسان.

ولأن الله تعالى قال: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ [هود:113]، كان لزامًا ألا نركن إلى من يفسدون القيم، حتى لو لبسوا ثوب الشهرة والنجومية. فالصمت عنهم ركون، والمتابعة لهم دعم، والدعم لهم مشاركة في جريمة التفاهة.

قال النبي ﷺ: «المرء مع من أحب» [متفق عليه]، فإذا أحببتَ تافهًا صرتَ نسخة منه من حيث لا تشعر، وإذا صفقتَ لراقص على حافة الأخلاق، فستجد نفسك في الحفرة معه غدًا.

إن المقاطعة اليوم ليست نزوة، بل واجب أخلاقي. أن تقول: “لا أتابعك، لا أصدقك، ولا أحتاج إلى تفاهتك”، هو شكل من أشكال المقاومة الثقافية.

قاطعوهم… لتنجو أخلاقكم. دعوهم يصرخون في فراغ هواتفهم، ودعوهم يلهثون خلف أرقام زائفة. فلنقاطعهم، ليس كرهاً للترفيه، بل حبًا للمعنى. لأننا نؤمن أن المرء مع من أحب، ونحن لا نحب إلا من يضيف للحياة قيمة، لا من يسرقها بنكتة باردة وإعلان مدفوع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى