الارتقاء بالحوكمة: مسيرة السعودية نحو المراكز الخمسة الأولى في مؤشرات الحكومة ضمن رؤية 2030
بقلم / د. ماجد بن ثامر ال سعود
تسعى المملكة العربية السعودية من خلال “رؤية 2030” إلى تحقيق تحول شامل في مختلف القطاعات الاقتصادية والإدارية والاجتماعية، بهدف بناء دولة حديثة ترتكز على الكفاءة، والشفافية، والتنمية المستدامة. ومن بين أبرز أهداف هذه الرؤية الطموحة، يأتي هدف “الوصول إلى المراكز الـ 5 الأولى في مؤشرات الحكومة” عالميًا، بعد أن كانت المملكة في المرتبة (36) عند إطلاق الرؤية، ويُعد هذا الهدف انعكاسًا لتطلعات الدولة نحو تعزيز جودة العمل الحكومي، وتقديم خدمات أكثر كفاءة للمواطنين والمقيمين، وتعزيز ثقة المجتمع المحلي والدولي في المؤسسات العامة.
لتحقيق هذا الهدف الطموح، عملت المملكة على تنفيذ عدد من المبادرات الكبرى التي تركز على التحول الرقمي، ورفع كفاءة الأداء الحكومي، وتعزيز الشفافية، ومكافحة الفساد، وتطوير الأنظمة واللوائح بما يتماشى مع المعايير الدولية. من أبرز هذه المبادرات “برنامج التحول الوطني” و”منصة بيانات السعودية” و”منصة اعتماد”، إضافة إلى تسريع رقمنة الخدمات الحكومية من خلال “منصة أبشر” و”توكلنا” و”ناجز” وغيرها من المبادرات التي حسّنت بشكل كبير من تجربة المستفيد وسهّلت الوصول إلى الخدمات.
برأيي الشخصي، فإن ما يميز هذا الهدف عن غيره هو ارتباطه المباشر بتجويد حياة الأفراد، إذ إن تقدم الحكومة في المؤشرات العالمية يعني بالضرورة تحسين جودة السياسات والخدمات المقدمة للمواطن. كما أرى أن التركيز على الحوكمة والشفافية يعزز من الثقة بين المواطن والحكومة، ويدعم بيئة الاستثمار، ويقوّي مكانة المملكة عالميًا. وأعتقد أن النهوض بالعمل الحكومي لا يرتبط فقط بالبنية التقنية، بل بترسيخ ثقافة الأداء المؤسسي، والانضباط الإداري، والالتزام بالتحسين المستمر. ويجب أن يكون هذا التحول متجذرًا في مؤسسات الدولة، لا مجرد استجابة وقتية.
كما أنني أؤمن بأن الاستثمار في رأس المال البشري داخل القطاع الحكومي هو حجر الأساس في تحقيق هذا الهدف، فالكوادر الوطنية المؤهلة، والمحفزة، والمُدرّبة على أفضل الممارسات الإدارية، هي الضامن الحقيقي لاستدامة التحول وتحقيق التقدم في المؤشرات الدولية. الإضافة إلى أن توفير بيئة عمل مرنة، ومبنية على معايير الأداء، والتمكين الوظيفي، هو ما سيجعل المؤسسات قادرة على المنافسة وتحقيق قفزات نوعية.
وقد حققت المملكة بالفعل تقدمًا ملموسًا في هذا المسار، حيث ارتفعت في العديد من المؤشرات العالمية مثل مؤشر فاعلية الحكومة، ومؤشر سهولة ممارسة الأعمال، ومؤشر الشفافية، كما ارتفعت مستويات رضا المستفيدين من الخدمات الحكومية الرقمية، وأصبحت المملكة من بين الدول الرائدة في تقديم الخدمات الإلكترونية. وتسهم وزارات متعددة في هذا التقدم، على رأسها وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات التي تقود التحول الرقمي، ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية التي تعمل على تطوير بيئة العمل الحكومي، وهيئة الرقابة ومكافحة الفساد التي تضمن النزاهة والشفافية في الأداء الحكومي.
إن تكامل الأدوار بين الوزارات، والرقابة الفاعلة على تنفيذ المبادرات، والتقييم المستمر للأداء، هي عناصر رئيسية في تحقيق هدف الوصول إلى المراتب الخمس الأولى في مؤشرات الحكومة، ويتطلب ذلك استمرار الجهود وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والانفتاح على التجارب الدولية، مع التزام صادق بالتحسين المستمر والاستجابة للتغيرات. ومن خلال هذه المسارات، ستواصل المملكة تقدمها بثبات نحو تحقيق هذا الهدف وغيره من أهداف “رؤية 2030”.
وفي الختام، فإن السعي للوصول إلى المراكز الخمسة الأولى في مؤشرات الحكومة ليس مجرد طموح رقمي، بل هو تعبير عن التزام المملكة بتحقيق التميز في الأداء الحكومي، وتعزيز فاعلية المؤسسات، وخدمة المواطن بكفاءة وشفافية. وقد أثبتت الإنجازات المتحققة حتى الآن أن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو هذا الهدف، مستندة إلى رؤية استراتيجية، وإرادة سياسية، وتكامل مؤسسي فاعل. ومع استمرار الجهود، والتزام الجهات المعنية، وتفاعل المجتمع، فإن الوصول إلى هذا الهدف لم يعد مجرد احتمال، بل مسار واضح نحو الريادة العالمية في كفاءة وشفافية الحكومة.