بقلم : فهد الرياحي
” صوت من غيابي ” لا يُسمع صوته … لكنه يصرخ من داخلي .
ذاك هو الفقد .. حين لا يكون لحظة .. بل حياة كاملة اختل توازنها .
كيف يكون الفقد صامتًا وهو يصرخ كل يوم ..؟
وكيف يسكنك الغياب بهذا العمق .. دون أن تجد حيلة واحدة للبوح ..؟
تسع سنوات وأنا أتهجّى حزني بصمت ..
لا لأنني لا أستطيع الكتابة،
بل لأن الحرف نفسه ينكسر إذا قلت : “أماه…”
مرت تسع سنوات ولم أقدر على كتابة حرف واحد
كنتِ الحرف الذي لا أجرؤ على بدايته ولا على إنهائه .
“في حضرتكِ… يقف الكلام احترامًا .
وتصمت الحروف خجلًا من مقامك .
لا تُقال عنكِ الكلمات . بل تُبتهل فيكِ الدعوات فأنتِ لستِ مجرد ذكرى…
أنتِ المهابة التي علّمتني بأن الصمت أبلغ من كل الكلام .”
كتبتكِ لأنكِ لستِ ذكرى . بل حياة تاهت مني .
لا أكتبكِ كمن يسترجع لحظة من ماضٍ جميل
ولا كمن يروض الحنين ببضع كلمات …
بل لأنني ما زلت عالقًا فيك وفاقدك وابكيك
” لأنكِ كنتِ الحياة التي لم أعرف كيف أعيش بعدها ” .
كل شيء بعدك ناقص
الضوء يمرّ دون أن يملأ حياتي
والأيام تتوالى … دون أن تقنعني أنها تمضي فعلًا.
أكتبكِ الآن ..
وأنا أعلم أن اللغة لا تليق بكِ
ولا الحروف تنصفكِ
لكنها محاولتي الوحيدة لأتنفّس ” غيابكِ المؤلم
غيابكِ لم يكن مجرد حزن عابر
بل ” خلل أصاب انتظام الحياة “
كأن شيئًا في روحي انكسر …
ولم يأت من يُجبره
ولا من يربت على كتفي قائلاً: “أنا هنا”.
هناك لحظات يختنق فيها الصوت
يغيب فيها الحضور
وتتوارى الكلمات خجلى من عجزها عن التعبير.
عندها ينطق الصمت بكل ما لم نستطع قوله
وتتحول الذكريات إلى مشاعر مختبئة
لا تُرى … لكنها تؤلم.
أراكِ في التفاصيل التي لا يلاحظها أحد
في عبق المسك
في نبرة دعاء
في ارتباكي حين يُنادى اسمكِ … وأنتِ لستِ هنا.
أكتب …
لأن كل شيء ينقصني
إلا الحنين إليكِ .
كنتِِ الحياة كما كانت
والمعنى الذي اتكأت عليه روحي
والملجأ الذي احتميت به كلما ضاق بي العالم .
وفي غيابكِ . يا أماه …
أدركت أن بعض الأصوات لا تموت
بل تعيش فينا كأمنية لا تتحقق
وأدركت أن هناك فقدًا لا يهدأ . وحنينًا لا يموت.
“ودّعتكِ بدمعة طفل… ماتت أمه وتاهت حياته.”
فمنذ متى كانت الحياة تُختصر في صورة؟
أو تُحفظ في درج؟
أو تنسى ببكاء صامت ؟
لا شيء يقدر أن يصف المشهد
ولا يشهد على غيابكِ وكيف أثر فيني
كل شيء من بعدك صار باهتًا
حتى أنا .. ما عدت أنا .
غيابكِ ما كان مجرد فقد
كان انكسار عمر وضياع حياة.