كتاب واصل

الهدوء النفسي في رمضان

الدكتور خالد علي الغامدي اخصائي نفسي وخبير تربوي

شهر رمضان هو شهر التراحم والتقرب إلى الله رمضان هو شهر مبارك يُعتبر من أعظم الشهور عند المسلمين لما يحمله من فضائل عظيمة وبركات روحانية. هو شهر التراحم بين الناس، يحمل في طياته الحب، الود، والتسامح، وفيه نتشارك بالأعمال الصالحة ونتقرب إلى الله. رمضان هو شهر الحسنات، لكنه قد يشكل تحديًا نفسيًا بسبب الحرمان من الطعام والشراب، والتوقف عن بعض الممارسات الخاطئة مثل تناول الكافيين (الموجود في الشاي والقهوة) أو التدخين، وهي عادات قد تسبب إدمانًا نفسيًا. هذا الحرمان قد يؤدي أحيانًا إلى العصبية وعدم القدرة على الصبر، خاصة خلال نهار الشهر الكريم. ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن رمضان زائر خفيف يأتي ويمضي سريعًا، وأن الهدف الأساسي منه هو أن نشعر بالآخرين، ونعمل على الرحمة والعطف تجاه الفقراء والمحتاجين، ونطور قدرتنا على الصبر والتحمل.

و شعورنا بالطمأنينة النفسية المصاحب للإيمان والصلة القوية بالله في رمضان له علاقة وثيقة بتحسين صحتنا النفسية والجسدية. الصيام يعزز الجهاز المناعي الداخلي الذي يحمي الإنسان من الأمراض النفسية والعضوية، كما يساعد على تحقيق الاتزان النفسي. من خلال الصيام، نتعلم ضبط النفس، وهي مهارة أساسية في التعامل مع الضغوطات والمشاعر السلبية. الصيام يقلل من التوتر والقلق، ويعزز الشعور بالهدوء والسكينة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الشعور بالانتماء إلى المجتمع الديني والتواصل مع الآخرين خلال رمضان يعزز الراحة النفسية. وهناك التأثير الإيجابي للصيام على الصحة النفسية حيث يرتبط الصيام بالصلاة والذكر وقراءة القرآن، مما يخلق حالة من التأمل الممتد. هذا التأمل يقلل من هرمون التوتر (الكورتيزول) ويرفع مستويات هرمون السعادة (السيروتونين). وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة *Journal of Psychiatric Research* (2023)، أظهر المشاركون انخفاضًا بنسبة 25% في أعراض القلق والاكتئاب بعد شهر من الصيام المنتظم. لذلك، فإن الصيام ليس فقط عبادة روحية، بل له فوائد صحية ونفسية عميقة.

لتجنب التحديات النفسية في رمضان العصبية والضغوطات ننصح بالارتقاء بالدوافع الروحانية وإعطاء الصيام معناه الحقيقي. يجب أن نستذكر الهدف السامي من الصيام والحكمة منه، وهو التقرب إلى الله وتهذيب النفس. يمكن للإنسان أن يتحكم في انفعالاته من خلال إدارة الضغوط التدرب على التحكم في الانفعالات والتفكير قبل التصرف أو الكلام. والتعبير الهادئ التعبير عن المشاعر بنبرة صوت هادئة دون صراخ. والصبر و تذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصيام جُنّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إني صائم (رواه البخاري). و تحمُّل الآخرين في نهار رمضان من أعظم الفضائل التي يمكن أن نتحلى بها. الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو أيضًا امتناع عن الغضب والجدال وسوء الخلق. في نهار رمضان، قد نشعر بالتعب أو الجوع أو العطش، مما قد يجعلنا أكثر عرضة للتوتر والانفعال. هنا تأتي أهمية تحمُّل الآخرين في العمل يجب تجنب النزاعات مع الزملاء والتحلي بالهدوء. وفي المنزل التعامل مع الأهل بلطف وتفهم، خاصة في ظل التعب والإرهاق. عندما نتحلى بالصبر، نكون أقرب إلى الله، ونشعر بالسلام الداخلي، مما يعزز علاقاتنا مع الآخرين. رمضان هو مدرسة للتعامل الحسن وهو فرصة لتدريب النفس على التعامل الحسن مع الآخرين، حتى خارج الشهر الفضيل. عندما نتعود على تحمُّل الآخرين في رمضان، نكتسب عادة إيجابية يمكن أن نستمر فيها طوال العام. من الأمثلة العملية على ذلك اجتماع العائلة على مائدة الإفطار، وهو ما قد يتعذر تحقيقه طوال العام. هذا الاجتماع يعزز الفرح والسعادة، ويساهم في التخفيف من ضغوط الحياة، مما يحسن المزاج والحالة النفسية بشكل عام. وفي الختام تحمُّل الآخرين في نهار رمضان ليس مجرد فضيلة أخلاقية، بل هو جزء من روحانية هذا الشهر عندما نتحلى بالصبر والهدوء، نعيش رمضان بقلوب مطمئنة، ونكون قدوة حسنة لمن حولنا. فلنستغل ما تبقى من هذا الشهر لتهذيب نفوسنا، وتعزيز علاقاتنا، ونيل رضا الله تعالى. رمضان هو فرصة ذهبية للتغيير الإيجابي في حياتنا الروحانية والاجتماعية، فلنجعل منه نقطة انطلاق نحو حياة مليئة بالإيمان والرحمة والتسامح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى