كتاب واصل

المنافع الشخصية تحطم القيم الإنسانية

 لا يلام الإنسان حينما يسعى وراء عمل يعود إليه بنفع أو فائدة ، ولكن حينما يكون هذا النفع أو هذه الفائدة هي النفع أو الفائدة الدنيوية المحضة المبنية على المصلحة الشخصية فإن هذا هو الملام عليه ، إذ أنه سيترتب على ذلك من المفاسد ما لا يمكن حصره ، فكم من فقير لن يجد من يعينه وكم من مريض لن يجد من يواسيه وكم من غريب لن يجد من يقف معه وكم من مظلوم لن يجد من ينصره وكم من صغير لن يجد من يعطف عليه . وكل ذلك لأن صاحب المصلحة يرى انه لن ينتفع من وراء مثل هؤلاء . لأن تفكيره كله مصلحة دنيوية وهؤلاء في نظره لن يحققوا له ما يأمله ويرجوه . وبهذا لن يكون لهم شأن في حياته .

مشعل سعد العضياني
مشعل مسعد العضياني

لقد غلب على أمرنا حب الذات ؛ فغلبت جانب “المصلحة” في حياتنا وأصبحت مكانة كل شخص هي بقدر مكانته ومنصبه في الدنيا ، فإن كنت ذا مرتبة ومنزلة دنيوية فأنت المقدَّم المقدَّر المخدوم ، وإن كنت غير ذلك أو زالت عنك هذه المرتبة أو تلك المنزلة فأسأل الله أن يعينك ويلطف بك ..

مع كل أسف وأسى بلغت المصلحة الشخصية بأصحابها في هذا الزمن مبلغها فترقت إلى مسمى الوقاحة التي يُتبجح بها ويُصرَّح ؛  ومن طريف ما سمعت في مثل هذا ؛ أن أحدهم قال لصاحبه وبكل ثقة وبرود : “فلان وراه مصلحة أخدمه أو لا؟!” المعيار لديه المصلحة الشخصية ، فوا أسفاه على أخلاق الرجال .

إن قيم الإنسان وأخلاقه وأدبه ومروءته تمنعه من هذا السلوك الرديء المشين ، ولكن عندما ابتعد هذا الإنسان عن تعاليم الدين الحنيف وأفرط في حب الذات والدنيا نسي هذه الأخلاق والقيم وأصبح يتعامل بالمصلحة الشخصية .

ولكي نتجنب هذا السلوك السيء غير السوي لابد أن تكون علاقاتنا الاجتماعية مبنية على المبادئ والقيم الإنسانية المستمدة من هذا الدين الحنيف والذي تميز عن غيره بجملة من الأخلاق والآداب تجعل من اتصف بها يتميز عن غيره وينال الكرامة عند الله وعند خلقه ، ومن جملة هذه الأخلاق وأعظمها هو استحضار الإخلاص لله تعالى في كل شيء “قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين” فيؤخذ من هذه الآية أن يكون عملك كله لله لا لرجاء فلان أو فلان فأنت تتعامل مع الله ؛ فلا حاجة لك أن تنظر في حال من تتعامل معه من البشر بل الجميع أمامك على حد سواء .. ومن جملة الأخلاق أيضاً في التعامل مع الناس ؛ السعي في خدمة الناس لا لطلب مصلحة من الناس وإنما رجاء ثواب رب الناس قال صلى الله عليه وسلم : ” لأن أسعى في حاجة أخي أحب إلي من أن أعتكف في مسجدي هذا شهرا”.. وأيضاً من جملة الأخلاق وأهمها حسن الخلق مع جميع الفئات على اختلاف مراتبهم ودرجاتهم “ففي الحديث أن معاذ بن جبل قال: آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضعت رجلي في الغرز أن قال: أحسن خلقك للناس يا معاذ.” .. فهذه بعضٌ من جملة الأخلاق التي أمر الله بها في التعامل مع جميع الخلق دون النظر لمستوياتهم أو التعامل بها مع فئة دون أخرى مراعاة لجانب المصلحة الشخصية . وغيرها من الأخلاق كثير يُرجع إليها في مضانها لمن أراد الاستزادة ، وكل هذه الأخلاق هي علامة على علو المبدأ والقيمة لدى الإنسان ودليل على خلقه وحسن أدبه وجمال سمته.

وفي الختام أقول : ما كان لله فهو يدوم بدوام الله ، وما كان لغير الله فهو ينقطع بانقطاع سببه ؛ فاجعل قيمك ومبادئك لله تدوم ، ولا تجعلها لغيره فتنقطع . واحذر !! فقد قيل : المصلحة الشخصية هي دائماً الصخرة التي تتحطم عليها أقوى المبادئ .

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى