كتاب واصل

لعلّه… الخير كله Perhaps, It’s For The Best

الله حين يكتب لك طريقًا فهو يرى أبعد من أمانيك ويحميك بطرق لا تفهمها إلّا بعدما تُزهر روحك من جديد

✍️ راضي غربي العنزي – كاتب سعودي

الحياة لا تتآمر علينا كما نظن، بل تُعيد تشكيلنا دون استئذان، تعدّل مسارنا في اللحظة التي كدنا نظنّ أننا وصلنا، وتجرّدنا من أحلامٍ ظننّا أنها ضرورية، كي تُلبسنا أحلامًا أوسع وأجمل. نرسم خرائطنا الصغيرة، ثم يتدخل قدر الله ليمنحنا جناحين يصلان بنا إلى أماكن لم تُكتب في دفاتر تخيّلنا.

نكتئب لأن بابًا لم يُفتح، ونغضب لأن وجوهًا تغيّرت فجأة، ونظن أننا خسرنا شيئًا مهمًا. لكن تضييع بعض الأشياء رحمة خفيّة، والطرق التي تُغلق تُبعدنا عن حفرةٍ كنّا نراها نصرًا. وما غادرنا… لم يكن خيرًا لنا في الطريق الطويل.

سعيت ولم يتحقق؟ لعلّه خير.

تأخر ما تحب؟ لعلّه خير.

تغيّر الطريق فجأة؟ لعلّه خير.

دعوت طويلًا ولا إجابة؟ لعلّه خير.

فالله لا يمنع إلا ليمنح، ولا يؤخر إلا ليُرتّب أدق التفاصيل لصالحك.

قال تعالى:

«وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون»

[البقرة: 216]

آية كفيلة بتسكين أشد موجات القلق.

وقال رسول الله ﷺ:

«عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير…»

[رواه مسلم]

وضع إكسير الطمأنينة في جملة واحدة: كله خير.

لكننا لا نقتنع بسهولة، نحتاج قصصًا تثبت أن قدر الله حين يبدّل… فهو يحسن التدبير دائمًا.

خذ مثلًا قصة الإعلامي السعودي المعروف علي المشعل.

شابٌ ذهب للدراسة في أمريكا، يعمل في مطعم للبرغر ليكمل تعليمه. الزبائن يرونه “عامل كاشير”، بينما في داخله حلم يحفر طريقه بهدوء. بعض الناس كانوا ينصحونه:

«ارجع، الإعلام محجوز للمحظوظين».

وكان يبتسم ويتابع واثقًا: لعلّه خير.

وفي لحظة غير محسوبة… وقف أمامه زبون يعمل في قناة MBC.

شدّه حديث علي وطموحه.

دعاه لاختبار أداء أمام الكاميرا، ثم تغير كل شيء.

من مطعم برغر إلى شاشات تلفزيون،

من عامل بسيط… إلى واحد من أبرز وجوه الإعلام الشبابي في المملكة والخليج.

علي المشعل ذاته قال لاحقًا ضاحكًا:

«حتى اللي كان يستعجلني وأنا أجهّز البرغر… صار اليوم يتابعني!»

هكذا يعمل قدر الله:

الاستخفاف بداية،

والدهشة نهاية.

الفلاسفة أيضًا كانوا يلاحقون هذه الحقيقة:

قال نيتشه: ما لا يكسرك… يشكّلك من جديد.

وقال الرومي: إن أُغلق باب… فهناك ألف طريق بانتظارك.

وسقراط اكتفى بأن يقول: «أعلم أنني لا أعلم»… كأنّه يذكّرنا أننا لا نفهم الآن ما سنشكر الله عليه غدًا.

ولأننا مجتمع يحب طرح الأسئلة الثقيلة:

لماذا فشل؟

لماذا لم ينجح مثل فلان؟

لماذا تأخر عن الركب؟

ولا أحد يسأل:

ماذا يُخبّئ الله له بعد هذا التعديل اللطيف في مساره؟

الأشجار العظيمة لا تبدأ بفروع عالية…

بل بجذور تُختبر بالعمق والظلام قبل أن تلامس أغصانها الضوء.

وهكذا تصنع الحياة أبطالها:

تُعيد ترتيبهم في الخفاء… ثم تُقدّمهم بأبهى نسخة.

«لعلّه خير» ليست مسكّنًا نفسيًا أو جملة عابرة.

إنها فلسفة يتقنها من عرف أن الله لا يكتب إلا جمالًا.

وأن ما نعتبره “عقبة” هو في الحقيقة “علامة طريق”.

وأن التأخير هو فن إلهي بديع في توقيت النِعَم.

حتى الخسارات التي توجعنا… تأتي لتخبرنا أننا كنا نستحق أفضل.

أحيانًا يضيق الطريق… فقط لنتعلم كيف نطير.

وأحيانًا يرحل شخص… لأن المقاعد حولنا لم تُعد تتسع للزيف.

وأحيانًا تبكي روحك… لأنها في طور النمو.

نحن نرى جزءًا صغيرًا من القصة،

وقدَر الله يرى الحكاية كاملة.

نحن نركض نحو ما نريد،

بينما الخير الحقيقي يركض نحونا في طريق آخر… أجمل.

ارفع روحك فوق الأحداث.

دع قلبك يبتسم رغم الأسئلة المفتوحة.

وتعلّم أن تقولها بثقة من جرّب اللطف الإلهي سرًا وعلنًا:

الحمد لله دائمًا وأبدًا

ولعلّه الخير كله

لا بعضه… كله

فمن سار في طريق اختاره الله له…

لن يُضيّعه الله أبدًا.

● والآن أبتسم …فما تشعربه الآن “لعله خير”…وإبتسم لأنني أكتب لأجلك..!

*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي بوزارة الاعلام 497438

■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■

Radi1444@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى