كتاب واصل

جيل الطيبين

قلوب تنبض بالصدق… ما زال الطيبون هنا يكتبون المستقبل

 بقلم / راضي غربي العنزي: كاتب سعودي

في كل زاوية من الزمن، يظهر “جيل الطيبين” كوميض ضوء في عتمة هذا العصر، كرمز للبساطة التي ضاعت، والصدق الذي أصبح عملة نادرة، والطمأنينة التي تبدو وكأنها رفعت أجنحتها وطار الزمان بها بعيدًا. يحنّ الناس لذلك الزمن كما يحنّ الطفل إلى حضن أمه، وكأن الماضي وطن لم يغادروه بأجسادهم فقط، بل غادروا معه جزءًا من أرواحهم.

لكن السؤال العالق: هل الماضي الذي نترحّم عليه كان بريئًا إلى هذا الحد، أم أننا نعيد تشكيله في ذاكرتنا كفيلم ملون على شاشة أبيض وأسود؟ ألسنا نحن من نلوّن الطفولة ونضخّم لحظات الأمان، ونختزل قسوة ذلك الزمن لنترك فقط صور “البيت المفتوح”، و”الجار الذي هو كالأخ”، و”القهوة على الحطب”؟

“جيل الطيبين” لم يكن يعرف شيئًا عن الهواتف الذكية، ولا عن شبكات التواصل، لكنه كان يعرف لغة العيون وصدق الكلمة. لم يكن يملك خيارات كثيرة، لكنه امتلك قناعة كافية ليجعل من القليل حياةً كاملة.

في المقابل، نحن جيل يركض نحو المستقبل بسرعة الضوء، لكنه يرتجف من فكرة الفراغ الروحي الذي قد يجلبه هذا المستقبل. الخوف من القادم ليس خوفًا من التكنولوجيا أو سرعة التغيير، بل هو خوف من أن نفقد “الإنسان” فينا. أن نصبح أرقامًا في نظام، أو ظلالًا على شاشة، بلا جذور ولا ذاكرة.

الحنين للماضي ليس مجرد شوق، بل صرخة عميقة تقول: “أعيدوا لنا الإنسان قبل أن تبتلعنا الآلة”. المستقبل لا يُخيف إن حمل معه القيم، لكنه يصبح وحشًا إذا جردنا من المعنى.

> قال الله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: 1-3].

وقال رسول الله ﷺ: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك” [متفق عليه].

المعادلة ليست بين ماضٍ جميل ومستقبل غامض فقط، بل بين قيم تُحفظ وأخرى تُهدر. “جيل الطيبين” لم يكن زمنًا عابرًا، بل كان مدرسة: مدرسة في البساطة، في الصدق، في معنى أن تكون إنسانًا قبل أن تكون متطورًا.

واليوم… إذا أردنا أن نُصنع جيلًا يُترحم عليه غدًا كما نترحم نحن على من قبلنا، فعلينا أن نزرع قيَم “جيل الطيبين” في قلب التقنية، ونُطعّم المستقبل بذاكرة الماضي.

هذه ليست مجرد مقالة، إنها دعوة: أن نكون الجسر الذي يربط “الطيبين” بالغد، حتى لا نستيقظ يومًا ونجد أنفسنا غرباء عن ذواتنا، وأيتامًا في زمن بلا إنسانية.

فليكن السؤال الذي يشغل المجتمع كله: هل نصنع مستقبلًا يُقال فيه عنّا: هؤلاء كانوا جيل الطيبين؟

> وفي نهاية كل زمن… شيء من الطيبين ينتظر من يكتشفه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى