كتاب واصل

المكافح والمتنعم: كفة المنتصر ترجح!

✍️ بقلم: راضي غربي العنزي – “كاتب سعودي”

في عالمين متوازيين، يسير الناس على طرق مختلفة. في أحدهما، يعيش من نشأ في هدوء، بلا صدمات كبرى، خطواته مستقرة، نضجه طبيعي، حياته سلسة كنسيم صيفي. يجد وجوهًا مألوفة، روتينًا مريحًا، وأوقات فراغ تكاد تكون خالية من الألم.

في العالم الآخر، هناك من وُلِدَ من رحم الألم والجدب والصعوبات. من اختبر الألم منذ الصغر، فقد أحباءه، واجه الفشل مرات ومرات، وعاش صدمات جعلت قلبه ينهار أحيانًا. لكنه هنا يبتسم… لأنه يعرف أن الانكسار كان تدريبه الأكبر، وأن كل جرح أصبح منصة للارتفاع، وكل سقوط خطوة نحو التفوق. كما قال الله تعالى: “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ” [البقرة:155]، فالمحن تصنع الصابر، تصنع المنتصر.

في حياته الناعمة، قد يتعلم الشخص الصبر على الانتظار، أو التعامل مع ضغوط العمل المعتدلة، أو مواجهة أزمة صغيرة تكسر هدوءه مؤقتًا. أما المكافح، فكل يوم لديه قصة؛ ليلة بلا نوم لإنقاذ شيء عزيز، مواجهة خيبة كبيرة في صمت، أو لحظة فقد كانت كفيلة بتحطيم أي قلب آخر. العقل لم يشغله النمو الطبيعي فقط، بل محاولة البقاء على قيد الحياة، وتحويل الألم إلى قوة داخلية لا تُقهر.

رحلته لم تكن ممهّدة، ولم تُقدّم له فرص النمو بسهولة. كل تجربة صعبة كانت منصة لتفرده، كل جرح شهادة على الصمود، كل سقوط علامة على القدرة على الوقوف من جديد. في النهاية، المكافح هو المنتصر، الأفضل، والمبتسم لأنه يعرف قيمته الحقيقية، وقد وُلِدَ من رحم الألم والجدب والصعوبات ليكون أقوى من أي هدوء.

كما يذكّرنا توماس إديسون بفشل آلاف المرات قبل أن يضيء العالم بالكهرباء، والمكافح يعرف أن كل عثرة وكل سقوط فرصة جديدة للتعلم والنهوض. ومن حكمة شعبية: “الخشبة التي تنحني في العاصفة تعود صلبة بعد الريح”، فكل صدمة جعلت المكافح أقوى، وكل ألم رفعه فوق المتنعمين.

فاصلة ؛

كل جرح، كل صدمة، وكل لحظة ضعف تحولت إلى علامة على القوة، على الوعي، وعلى القدرة على التميّز في عالم لا يُرحم. المكافح يبتسم لأنه يعرف: كل عاصفة كانت له، وكل سقوط رفعه، وكل انكسار جعله المنتصر الذي لم يكتبه أحد قبله.

______________________
Radi1444@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى