كتاب واصل

ثقافة الهروب من الاعتراف بالخطأ !

بقلم/ راضي غربي العنزي: كاتب سعودي

يميل الإنسان، في كل الأزمنة والمجتمعات، إلى تعليق إخفاقاته على شماعات خارج ذاته: الظروف، الناس، الزمان، وحتى القدر أحيانًا. وهو بذلك يخفف عبء المواجهة، لكنه في الحقيقة يضاعف المشكلة. فالأعذار لا تُغيّر الواقع، بل تُطيل أمد المعاناة.

قد يكون للظروف نصيب من التعقيد، ولا شك أن المجتمع أحيانًا يساهم في صناعة العوائق، لكن تبقى الحقيقة الأعمق أن كثيرًا من العقد تبدأ من الداخل: من قرار متسرع، أو تقصير متكرر، أو إصرار على إنكار المسؤولية.

إن أخطر ما يواجه الأفراد والمجتمعات ليس ضيق الحياة ولا قسوة الآخرين، بل ثقافة الهروب من الاعتراف بالخطأ. فالذي يعيش دور الضحية دائمًا يظل عاجزًا عن التغيير. ولهذا جاء التوجيه القرآني البليغ:

> ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11]

وجاءت كلمات النبي ﷺ لتؤكد هذا المعنى بجلاء حين قال:

> “الكَيِّسُ مَن دانَ نَفْسَهُ وعَمِلَ لِما بَعْدَ المَوْتِ، والعاجِزُ مَن أتْبَعَ نَفْسَهُ هَواها وتمنّى علَى اللَّهِ الأمانِيَّ” [الترمذي].

إنها دعوة صريحة لمراجعة الذات قبل لوم الظروف، ولتحمّل المسؤولية قبل تعليقها على الآخرين. فالعاقل حقًا هو من يحاسب نفسه ويواجهها، أما الغافل فيظل يبرر عجزه حتى تضيع أيامه بين تبريرٍ وأمنيات.

وبينما يضيع البعض أعمارهم في جلد الدنيا والناس، هناك من يختار الطريق الأصدق: مواجهة الذات، تصحيح المسار، وتحويل كل سقوط إلى نقطة انطلاق جديدة. هؤلاء وحدهم يكتبون مستقبلهم بأيديهم، ولا يتركونه رهينة أعذارٍ لا تنتهي.

إنها لحظة حاسمة: إمّا أن تبقى أسيرًا في دائرة اللوم والشكوى، تُهدر عمرك في مطاردة أوهام، أو أن تمتلك الجرأة لتمسك بزمام حياتك، وتعترف… ثم تنهض. والفرق بين الطريقين هو ما يصنع حياةً وضيعةً أو حياةً عظيمة. القرار عندك أنت… وليس عند الظروف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى