كتاب واصل

لغتنا العربية في التعليم بين الواقع والمأمول

عبدالقادر سفر الغامدي

يحلّ الإنسان منا ضيفا إلى هذه الحياة ، ومع ولادته تنطلق صرخته البكر في فضاءات الدنيا أنْ قد قدِم إنسان يريد الحياة ، يريد أن يفعل أشياء وأشياء تسبقها إرادة الله في تعلمه كيف ينطق وكيف يتحدث ويقول مايريد . كيف يخطو خطواته الأولى إلى عوالم مليئة بكل تفاصيل الأمل والجمال والحياة ؟!.

ولأن الإنسان مكرّم عند ربه بنص قرآني عظيم ( ولقد كرمنا بني آدم ) ، فقد كان لزاما أن يتميز عن بقية مخلوقات الله بالعقل الذي وهبه إياه خالقه العظيم والتفكير والتفكر هما وسيلة ذلك العقل النيِّر المتبصر فيما حوله. واللغة التي هي أداته الأساس في التعبير عما يريده وعما يأمله ويشعر به من حوله.

هذه اللغة يتعلمها الطفل منذ شهوره الأولى محكاة من والديه وأسرته وهو ينغنغ ثم يردد ماتسمعه أذناه ويعيه عقله البصير من مفردات بسيطة يلتقطها من هنا وهناك ينتقل بعدها شيئا فشيئا إلى تركيب الجمل بسيطة ً فمركبةً حتى يستطيع أن يتفاعل مع محيطه ويحيا معبرا عن ذاته ومكنونه .

هذا كله يدل أن اللغة ليست مجرد حروف وكلمات لاحياة فيها تُنطق وتقال بل هي حياة تمارس ممارسة حقيقية من خلالها يقول الإنسان ثم يفعل ماقاله فيؤثر في محيطه ويتأثر بما يسمع من قول مبين ويراه من فعل إيجابا وسلبا .

ينطلق في مرحلة لاحقة أطفالنا صوب المحضن الثاني بعد حضن الأسرة أما وأبا وإخوة إلى حضن أكبر وأشمل هو حضن مدرسته التي منها ينهل وحضن معلمه الذي يشكل القدوة والمثال ليتعلم أبجديات حياته ويبني خبراته من خلال لغة التعليم في مدرسته بين أقرانه وتحت نظر معلميه ومعلماته .

تتكون لديه المعارف ، وتبنى في داخله المهارات السلوكية والقيم الاجتماعية في منظومة تكاملية ، يذهب من خلالها حاملا كل تلك الخبرات التراكمية ليؤثر ويتفاعل مع محيطه الأكبر .

كل ذلك يتم عبر لغة يتعلمها ليعيد إنتاجها بطريقته الخاصة ، فيكون منتجا لتلك المعرفة والمهارة كما يأمل له معلموه ووالداه وجميع من حوله من محبين .

وحتى يتعلم أبناؤنا تفاصيل الحياة ويكتسبوا مهاراتها التي لاتنتهي فلابد لهم من أداة سليمة نقية واضحة ناصعة هي اللغة العربية السليمة تحدثا وكتابة وإبداعا .

وحتى يحصل المراد وتتهيأ الفرصة له ، لابد له ولكل من يتعايش معهم داخل مدرسته وفصله ومنزله أو محيطه المجتمعي لابد أن يستشعر كل منهم بالانتماء الحقيقي للغته والتآلف معها في منظومة قيمية يشعر من خلالها بالاعتزاز بتلك اللغة كما يراد له أن يستشعر عظمة دينه والفخر بوطنه الكبير مدافعا وناشرا لذلك الدين وتلك اللغة وفخورا بذلك الوطن الذي تربى فيه ونهل من معينه العذب لغته الخالدة التي بها يستطيع أن يوصل للعالم كل العالم مكونات حضارته السابقة والحالية في آن دون فصل بين ماض عظيم وحاضر يتطلب منه إثبات هويته الوطنية ، دون شعور بتردد أو خجل أو نقص معرفي لمكونات تلك الحضارة .

وهنا كان لزاما على كل معلم ومربٍّ أن يحيا لغته العظيمة في داخله حبا وعشقا وافتخارا لايدانيه أو يماثله فخر.

وإن ممارسة اللغة العربية منا جميعا معلمين وأسرة ومجتمعاً، وبشكل عفوي دون تكلف أو إحساس بالغربة هو الطريق والمسلك البدهي لأن نغرس حب اللغة العربية بشكل عملي وليس عبر مؤتمرات ومحافل يتحدث فيها أصحاب الاختصاص من أبراج علوية بعيدة كل البعد عن واقع اللغة الذي أصبحنا نتباكى عليه ونستجر فقط ذلك الماضي العظيم لأمةٍ قد خلت ولن تعود ودون تقديم حلول ومبادرات تربوية وتعليمية تعلمية على أرض واقعنا اللغوي الذي نصمه بالبائس ؛ ذلك لأننا نقول فقط ثم نكرر في كل مناسبة ماقلناه سابقا وتبقى اللغة مع أسفي معلقة على رف الأمنيات .

هذه الممارسةلن تتأتى في نظري ونحن نشعر بالدونية حين نمارس لغتنا الخالدة بل تحصل بإرادة جمعية ووعي متنامٍ بأهمية تعلم لغتنا والانتماء إلى قاموسها الزاخر بكل مفيد وحديث حتى نصبح منتجين للمعارف والمهارات الحياتية وناشرين للآخر ثقافتنا من فنون وآداب وعلوم في شتّى مناحي ومجالات الحياة التي أسها وأساسها لغة عربية فصيحة عظيمة استمدت عظمتها من كتاب الله أولا وسنة نبيه ثانيا وممارستنا لها حقيقة ثابتة منذ مطلع كل شمس يوم ومغيبها ، حتى ماشاء الله أن نحيا أقوياء بقوتها معتزين بعزتها منتمين لها ، عاشقين لحياتنا التي هي لغتنا العربية .

*والسـَّـلام*

*بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية *
*عبدالقادر سفر الغامدي *
*مشرف تربوي سابق لمادة اللغة العربية *
*تعليم الباحة*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى