كتاب واصل

شفرة … الفرح .!! The Code of Joy

"ضوءٌ يلمس الروح… ولحظةٌ تنجو بالحياة من العتمة."

✒️ راضي غربي العنزي – كاتب سعودي

بين كل نبضة قلب وبين كل خطوة في الطريق، هناك رأفة خفية تلازمنا، وحكمة تفتح لنا منافذ الهدوء وسط ازدحام الحياة.

في عالم يركض بلا توقف، وينشغل الناس فيه بالإنجازات التي لا نهاية لها، يظل هناك أشخاص يفرحون بنا ولأجلنا. وجودهم ليس تفصيلاً عابرًا، بل نعمة تُشعرنا بأن الطريق مهما طال لن يكون مُظلِمًا ما دمنا نجد من يضيئه بابتسامة صادقة أو كلمة ترفع الروح. أدامهم الله أنسًا وثباتًا، فهم الذين يجعلون الفرح ممكنًا حتى في أكثر اللحظات ازدحامًا.

الفرح الذي نعيشه مع من يحبّنا بصدق هو لحظة لا تُقاس، كأنها وقفة قصيرة وسط ضجيج كبير تمنح القلب مساحة ليرى جمالًا لم يكن يراه من قبل. هؤلاء الذين يفرحون بنا يُذكّروننا بأن الفرح الحقيقي ليس في كثرة ما نملكه، بل في من يشاركنا نبض الطريق دون مقابل أو انتظار.

وفي لحظة من لحظات التأمل، نستعيد مشاهد من أيامنا لنكتشف أن الكثير من قوتنا جاء من وجود من آمن بنا حين لم نكن نؤمن بأنفسنا. فالحياة ليست سلسلة معزولة من الأحداث، بل شبكة من العلاقات التي تهذّب أرواحنا وتفتح أعيننا على رحمة لا تنقطع. كما قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ الصبر هنا ليس ثِقَلاً يحمله الإنسان، بل شرفة يطلّ منها على معنى أعظم، ويقرأ فيها عناية لا تُرى ولكن تُحسّ.

ولأن الحياة دائمًا تعطي مثالًا حديثًا لكل معنى قديم، تأتي القصص الواقعية لتفتح نافذة أمل: فتاة بسيطة من حي متواضع، كانت تحلم فقط بأن تكتب كلمات تمسّ القلوب. لم تمتلك إلا إيمانها وشغفها، فكانت ترى في كل صباح فرصة لكتابة جملة تُدخل السرور على أحد. بعد سنوات، أصبحت نصوصها تُقرأ في منصات كبرى، تُلهم الشباب وتعيد لهم قيمة الفرح الصادق. لم يكن طريقها سهلاً، لكنها رأت في كل خطوة معنى، وفي كل تحدٍ وعدًا بالفرج، وفي كل ابتسامة تُهديها للآخرين عبادة خفية لا تحتاج إلى إعلان.

وفي فلسفة الفرح، لطالما آمن الحكماء بأن العلاقة الإنسانية الصافية أساس من أسس السعادة. رأى أفلاطون أن خير النفس لا يكتمل إلا برعاية الآخرين، ورأى جون لوك أن الحرية الحقيقية تتجلى عندما نتعامل بإنصاف ومحبة مع من حولنا. أما هيغل فصرّح بأن الإنسان لا يعيش لنفسه وحده، بل يكتمل وجوده من خلال من يحيطون به. هذه الفلسفات ليست بعيدة عن واقعنا، بل نراها يوميًا حين نجد شخصًا يفرح بنا بصدق، فيعيد ترتيب مزاجنا، ويعيد تعريف يومنا كله.

وفي تفاصيل الحياة اليومية، يبدو الفرح بالآخرين فعلًا اجتماعيًا راقيًا، أشبه بمقاومة هادئة لكل ما يبعثر النفس. كل كلمة لطيفة نمنحها، وكل لحظة نشارك فيها أحدًا سعادته، وكل دعم صادق نقدّمه، هو جزء من البناء الداخلي الذي يجعل الإنسان أكثر اتزانًا وأقرب إلى الخير. الفرح بالآخرين ليس ضعفًا، بل قوة لا يدركها إلا من جرّبها؛ إذ تتحوّل الابتسامة إلى جسر، والنصيحة إلى نور، والمساندة إلى أثر يمتد في الزمن.

وفي كل ذلك، يبقى المعنى الأهم: الذين يفرحون بنا هدايا من الله، إشارات طيبة تُرشدنا إلى أن الحياة ليست مجرد محاولة للبقاء، بل سعيٌ لأن نترك أثرًا جميلًا. هم دليل على أن المحبة الصادقة لا تحتاج إلى تبرير، وأن الصداقة الحقيقية لا تفقد بريقها مع الوقت، وأن الله يهيّئ لنا من عباده من يكونون بلسمًا في الطريق.

كما قال ابن القيم: “اللطف في الله من أرقّ أنواع اللطف، والرحمة في الله من أسمى معاني الرحمة.”

وهؤلاء الذين يفرحون بنا، هم من أوجه هذا اللطف، ومن دلائل هذه الرحمة. وجودهم يجعل اللحظة العابرة أثقل معنى، والكلمة العابرة أعمق أثرًا، واليوم العابر أكثر امتلاءً.

أدام الله أولئك الذين يفرحون بنا ولنا، فإنهم علامات مضيئة في الطريق، تهدي القلب، وتطمئن الروح، وتذكّرنا بأن الفرح حين يُشارك يصبح عبادة، وحين يُمنح يصبح نورًا يستمر طويلاً.

*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 497438
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
Radi1444@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى