أخلاقك تطيل عمرك

د.خالد الغامدي اخصائي نفسي وخبير تربوي
في زمنٍ تتسارع فيه الخطى وتزدحم فيه العلاقات تبقى الأخلاق هي النور الذي يضيء دروبنا ويهذب أرواحنا ويمنح لحياتنا المعنى الحقيقي. فالعلاقات بين الناس ليست مجرد لقاءات عابرة بل هي تفاعل إنساني عميق يقوم على الحب والاحترام والتفاهم، ويُشكِّل نسيج الحياة الذي يمنحنا الشعور بالأمان والراحة والانتماء. والإنسان لا يمكن أن ينجح في بناء علاقة متوازنة مع الآخرين ما لم يكن في سلام مع نفسه أولاً، فمن أحب ذاته بصدق أحب الناس بصدق، ومن تصالح مع داخله استطاع أن يرى الجمال في من حوله وأن يمنحهم من قلبه دون انتظار مقابل. وحين تكون علاقاتنا صحية فإنها تنعكس على أجسادنا وعقولنا وحياتنا كلها، فالعلاقات الإيجابية تزرع فينا الطمأنينة وتخفف عنا القلق والتوتر، وتجعلنا نعيش حياة أطول وأكثر سعادة لأننا نحاط بالحب والدعم والدفء الإنساني. فكلما أحس الإنسان بالرضا الداخلي زاد عمره جمالاً ومعنى.
والأخلاق هي جوهر هذه العلاقات وروحها، فهي التي تحفظ الود وتمنع القطيعة وتُبقي القلوب صافية حتى بعد الخلاف. وقد عبّر طلحة بن عوف عن ذلك حين قالت له زوجته: “ما رأيت أشد لؤماً من إخوانك، إذا اغتنيت لزموك وإذا افتقرت تركوك”، فقال: “هذا من كرم أخلاقهم، يأتوننا في حال قدرتنا على إكرامهم ويتركوننا في حال عجزنا عن القيام بحقهم”. ما أروع هذا الفهم النقي للأخلاق، أن ترى الخير حتى في المواقف التي قد تبدو مؤلمة.
ليتنا ندرك أن كلمة صادقة من القلب قادرة على إنهاء خلاف عمره سنوات، فالحياة قصيرة، ولا تستحق أن نُهدرها في خصومات لا تنتهي.
ويكفينا أن نتأمل ما قاله الإمام الشافعي لتلميذه يونس بن عبد الأعلى بعد خلاف بينهما حين ذهب إليه وقال: “يا يونس، تجمعنا آلاف المسائل وتفرقنا مسألة، لا تحاول الانتصار في كل الخلافات، فربما كسب القلوب أهم من كسب المواقف، كلمات تفيض بالحكمة وتلخص جوهر الحياة، فالعلاقات لا تبنى على الانتصار وإنما على الرحمة، ولا تدوم بالقوة بل باللطف، ولا تزدهر بالجدال بل بالاحترام. في النهاية تذكر دائماً أن العلاقات تبدأ بالمشاعر لكنها لا تبقى إلا بالأخلاق



