تستروا بالسخاء…يابخلاء ..!
«يطمئن اللهُ القلوب… فيعلّمها أن السخاء بابٌ للنجاة، وأن ما عنده خيرٌ وأبقى.»
✍️ راضي غربي العنزي – كاتب سعودي
منذ بداية الخليقة… والناس تتفاوت في الجَود والخوف، هناك من يفتح يده… فيفتح الله له أبواب السماء، وهناك من يقبض كفّه حتى على الابتسامة… كأن الرحمة لا تجري في دمه. البخيل لا يخاف الفقر، بل يخاف أن يعرف الآخرون ما يُخفيه: خوفه نفسه. إنه ذلك الجبان الذي يظن أن المال حصن، فيتحول إلى سجين داخل حصنه، يراقب مفاتيحه لئلّا تهرب.
يعيش حياته وهو يعدّ أنفاسه، يحسب خطواته، ويختبئ من كرم الآخرين لأن سخاءهم يفضحه. لا يستثمر حتى في مشاعره، يقتصد في الحب، يتردد في قول كلمة طيبة، وكأن القلب حساب بنكي يجب ألّا ينقص رصيده!
قال رسول الله ﷺ:
«السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار، والبخيل بعيد عن الله بعيد عن الجنة بعيد عن الناس قريب من النار»
حديث حسن – رواه الترمذي
لكن العجيب… أن البخيل لا يدرك أنه يُفلس وهو يظن نفسه ثرياً. يُخزن أشياء لا قيمة لها عند الموت. يحرس رصيداً لا يشفع له عند الحساب. يدفن فرصاً كانت قادرة أن تكتب له سمعة لا تشيب. السخاء لا يشتري قلوب الناس فقط… بل يشتري الأبدية.
ويقول الحق سبحانه:
«وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ» [سبأ: 39]
الله يعِد بالخَلف… فكيف يخاف من يؤمن بوعد الله؟!
البخيل يسير في الحياة بحذرٍ مبالغ، كأنه على أرضٍ مفخخة. يخشى أن يمنحه الله سوء تقدير في الكرم! يخاف من نظرة طفل يستجدي قطعة حلوى، يخاف من عزومة، ومن عطاء، ومن حياة ترغب أن تتدفق. هو شخص يعيش في «اقتصاد الطوارئ»… طوارئ لا تنتهي أبداً.
أفلاطون يهمس من بعيد:
«البخل ليس عجزًا عن العطاء، بل عجزًا عن الشعور بإنسانيتنا.»
يا صديقي… السخاء لا يعني بذخاً، ولا إنفاقاً طائشاً… لكنه أن تفتح نافذة للرحمة كي تدخل إلى قلبك. السخاء أن تُطعم مشاعرك، أن تسمح للحب أن يفيض، أن تترك أثراً يشبه عطر زهرةٍ بُخِلت عليها الشمس… لكنّها أشرقت!
المجتمع الذي يحكمه البخل مجتمعٌ جاف… تُغلق فيه الأبواب مبكراً، وتصبح العلاقات حسابات. حتى السلام يُصبح بعملة نادرة، والابتسامة بقيمة ضريبة!
الأب البخيل يصنع أبناء مذعورين
الزوج البخيل يُطفئ دفء البيت
الصديق البخيل يخسر الأصدقاء
والإنسان البخيل… لا يُرى حين يُذكر المعروف
الكرم ليس رفاهية… بل ضرورة ليكتمل الإنسان. ألم تروا أن النخلة تُعطي ظلاً قبل الثمر؟ أن النهر يفيض دون أن يطالب بشكر؟ أن الله – بواسع رحمته – يُعطي من يسأل ومن لا يسأل؟
فهل يُعقل أن نكون بخلاً في أرض كرمها الله من فوق سبع سماوات؟!
هناك نوع من الفقر أخطر من الجيوب الفارغة…
فقر الأرواح…
حين يتآكل القلب جوعاً إلى فعل الخير دون أن يجد الجرأة على مدّ اليد.
البخل لا يسكن في الخزائن… بل في النفوس.
من قال إن المال ضمان؟ الضمان الحقيقي أن تكون محبوباً في الأرض ومرحوماً في السماء. أن تُكتب لك أعمال تمشي بعد رحيلك… كطفلٍ صالح أو صُحبة تدعو لك أو يدٍ مسحت دمعَ محتاج.
ثمّة مفارقة مخزية:
حتى حين يُفكر البخيل أن يعطي… يبدأ أولًا بالتفكير: «كيف لا يشعر أحد؟»
الخوف يمسك به كما يمسك المرابي بديون الناس؛ لكن الديون هنا على روحه هو!
السخاء ليس مقدار ما تعطي
بل مقدار ما تُشعل من نور في حياة غيرك
ويا لجمال البسطاء… حين يبسطون أرواحهم قبل أيديهم، فتلمع فيهم إنسانيةٌ تغلب الماس. هؤلاء… الله يفتح لهم أبواب الرزق، لأن قلوبهم واسعة لا تضيق بضيوف الرحمة.
اليد التي تُعطي لا تنقص
القلب الذي يُحب لا يخيب
والإنسان الذي يؤمن أن المعطي هو الله… لا يخاف شيئًا على الإطلاق
ثم ماذا بعد؟
سننتهي جميعاً إلى حفرة ضيقة لا دخول ولا خروج فيها… فمن سيبقى؟
يبقى أثر يدٍ امتدت… وقلبٍ أحب… ومالٍ قدم طريقاً للنور.
إن السخاء جميل… جميل لدرجة أنه يُغطي كل عيب كما قيل، أما البخل… فيفضح أدق العيوب حتى ينكشف صاحبها أمام نفسه قبل الناس.
كونوا كالنخلة… تعطي حتى للحجارة التي تُرمى عليها
كونوا كالمطر… لا يسأل الأرض عن هويتها… بل يسقي الجميع
تستروا بالسخاء
فهو لباس من نور
يُجمّل الفقير… ويرفع الغني…
ويكتب للإنسان معنى وجوده
وفي النهاية…
الله لا يسألنا كم ملكنا
بل ماذا فعلنا بما ملكناه…!
● أبتسم الآن …فهناك من يحبك ويكتب لأجلك لتضيء..!
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
Radi1444@hotmail.com

