كتاب واصل

الطلاق… حين يهدم الإنسان بيته بيده! 

تبدأ اللقطة بصمتٍ ثقيل، طفلٌ يقف أمام بابٍ مغلق، يسأل بصوته المبحوح: "أمي… أبي… متى تعودان إلى بيتنا؟"

✍️ راضي غربي العنزي – كاتب سعودي

البيوت اليوم لا تسقط بالعنف أو الفقر، بل برسالة باردة، وبـ “بلوك” واحد يعلن النهاية. جيل بأكمله بات يرى الطلاق خيارًا سريعًا، وكأنه مفتاح يُطفئ الألم لا أن يشعل نارًا أكبر. ارتفعت نسب الطلاق كما ترتفع الأسهم في لحظة جنون، لكن الخسارة هنا ليست رقمًا في صحيفة، بل روحًا انكسرت وطفلًا تائهًا بين بيتين لا دفء فيهما.

لم يعد الطلاق حدثًا نادرًا، بل ظاهرة تتفشى بصمتٍ موجع، حتى صار بعض الأزواج يتباهون بالخلاص كما يتباهى غيرهم بالنجاح. ولم يدركوا أن أكثر المنتصرين في الطلاق… مهزومون من الداخل.

قال النبي ﷺ: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي». لو اتخذنا هذا الحديث ميزانًا للعشرة، لما ضاقت البيوت، ولما وصلت القلوب إلى المحاكم. لكننا نعيش زمنًا صار فيه الاحترام ضعفًا، والاعتذار هزيمة، والصبر غباءً في نظر الناس.

قال الله تعالى:

{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].

هذه الآية ليست نصيحة شعرية، بل وصية ربانية، فيها دواء لكل زواجٍ تعب، ولكل قلبٍ جفّ، ولكل علاقةٍ أوشكت أن تنكسر.

المستشارون الأسريون يؤكدون أن أغلب حالات الطلاق تنشأ من توافه الأمور. خلاف على كلمة، نظرة، أو تصرف يمكن إصلاحه لو جلس الطرفان قليلًا بلا كبرياء. لكن حين يتكلم الغرور… يصمت العقل. قال أحدهم: “نصف من طلّقوا يعودون بعد الندم، لكن بعد أن يُصبح الرجوع مستحيلًا.” وقال آخر: “الطلاق ليس نهاية ألم، بل بداية سلسلة من الوجع، تبدأ من الأطفال وتنتهي في نفوسٍ فارغة.”

قال ﷺ: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة».

وللرجال قال: «اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله».

هي معادلة العدالة في بيت الزوجية: لا ظلم لرجل، ولا جور على امرأة، بل ميزان يقوم على الرحمة قبل الحقوق.

الطلاق ليس حلاً، بل نهاية لا رجعة بعدها إلا بندمٍ مرّ. فكلمة واحدة قد تُبقي بيتًا عامرًا، وأخرى تهدم عمرًا كاملًا. تذكروا أن الحب لا يموت فجأة، لكنه يمرض بالإهمال ويُدفن بالكبرياء.

ولأن “التغافل” و”التجاهل” من شيم العقلاء، كانا صمامين للأمان في كل بيت. التغافل عن الزلات لا يعني ضعفًا، بل حكمة. فكم من بيوتٍ استمرت لأن أحد الزوجين تغافل عن خطأ، وتجاهل زلة، وأطفأ النار قبل أن تشتعل. يقال: “من أراد بيتًا سعيدًا، فليتغافل نصف عمره.”

ليس كل غضب يستحق الطلاق، ولا كل خلاف يحتاج هدمًا. أحيانًا جلسة صادقة، أو دمعة اعتذار، تُنقذ أعوامًا من الذكريات. تذكروا أن الله يبغض الطلاق، لأن فيه كسرًا لأواصر المودة التي جعلها بينكم.

من يفكر في الطلاق اليوم، فليتخيل غدًا طفلًا يسأل: “لماذا لم تصبروا قليلًا لأجلي؟”

أجب بصراحة… هل كان الخلاف يستحق أن يحرم طفلك من بيتٍ كامل؟

الطلاق كلمة… لكنها زلزال يهدم أسرة، ويهز مجتمعًا بأكمله. فلا تكونوا بأيديكم سببًا في دمارٍ لا يُصلحه الندم.

*الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 497438

______________________________

Radi1444@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى