كتاب واصل

غلاظ القلوب… كائنات ما قبل الرفق..!

القسوة لا تخلّد أحدًا، بل تدفنه حيًا في ذاكرة الناس

بقلم/  راضي غربي العنزي – كاتب سعودي

هناك كائنات بشرية غريبة، تمشي على قدمين لكنها تحمل في صدورها صخورًا بدل القلوب. يظنون أن التجهم هيبة، وأن الغلظة وقار، وأن القسوة دليل رجولة. ولو فكروا قليلًا لاكتشفوا أنهم مجرد آلات صدئة، لا تُنتج إلا ضجيجًا مزعجًا.

إن الرفق ليس رفاهية ولا ترفًا أخلاقيًا ؛ إنه العمود الفقري لكل ما يجعل الإنسان إنسانًا. الرفق هو الدواء الذي يشفي العلاقات من تشققها، والماء الذي يسقي أرض القلوب العطشى. وقد قال النبي ﷺ: “إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف”. أي أن ما يحاول الغليظ أن ينتزعه بالعنف، يناله الرفيق بهدوء وكبرياء صامت.

تأمل حياتنا: المدير الغليظ الذي يظن أن عبوسه يصنع انضباطًا، ينتهي به الأمر مادةً للشتائم خلف ظهره. الأب القاسي الذي يعتقد أن الحزم وحده يصنع رجالًا، يكتشف متأخرًا أنه ربّى جيلًا يبحث عن صدرٍ آخر يحميه. وحتى البائع المتجهم الذي يعتقد أن الصرامة تمنع الاحتيال، يخسر زبائنه لصالح مبتسمٍ أذكى منه.

الغلاظ يراهنون على الحديد، والرفقاء يراهنون على النسيم. وفي النهاية، النسيم هو من يربح دائمًا. الحياة كلها أمثال على ذلك: الماء لا ينحت الصخر بالعنف، بل بتكرار اللمسة الناعمة. الشجرة لا تعيش لأنها أصلب، بل لأنها تعرف كيف تنحني للريح وتنهض بعدها. حتى في جسدك، الأسنان لا تثبت بلا لثة رقيقة تحضنها… فهل تفهم يا غليظ القلب؟!!

،

زلزال

من يتصور أن الغلظة قوة، أشبه بطفل يظن أن صوته العالي انتصار. القوة الحقيقية أن تملك نفسك عند الغضب، أن تصمد بابتسامة حيث ينهار الآخرون بالشتائم.

الرفق ليس خيارًا تجميليًا ؛ إنه سرّ العمر الطويل ، والوجه الباقي في الذاكرة ، واليد التي تُمدّ فلا تُرد. أما الغلاظ ، فما هم إلا صخور في طريق الحياة : تُركل ، وتُتجاوز ، وتُنسى .

وفي النهاية… يا غليظ القلب، صدّقني: أنت لا تبدو قويًا كما تظن ، بل مجرد “رقاقة” تنتظر أول نفحة وليست نفخة ريح . كن رقيقا …!

الهيئة العامة لتنظيم الاعلام الداخلي 497438

______________________________

📩 Radi1444@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى