كتاب واصل

اليوم العالمي للوعود الزائفة والبهرجة الإعلامية

بقلم : هادي الحكمي

في اليوم العالمي للتوحد سنشاهد كثيرا من الفعاليات والبرامج هنا وهناك، وسنجد اهتماما منقطع النضير بأطفال التوحد وأسرهم، وستوزع الابتسامات والقبلات،  وستنشر العديد من المنشورات التوعوية والتثقيفية جلّها إن لم يكن كلها من أعوام سابقة، وستضاء باللون الأزرق البنايات الشاهقة والمنتزهات الشهيرة، وسيقرأ الزائر عبارات تحفيزية لأسر التوحد وأخرى استعاطفية للزوّار، كتبت على (استاندات) لتوضع في أماكن مختلفة كالطرقات وداخل المجمعات وفي الأماكن المخصصة لهذه الفعاليات.

في اليوم العالمي للتوحد والذي يوافق الثاني من إبريل من كل عام؛ ستحث الهمم ويدعى المجتمع، وسيجلب كل مسؤول إعلامييه بكافة أسلحتهم، وستضج القنوات الإعلامية والمنابر الاجتماعية بالحديث عن التوحد، تعريفا به، وبسماته وطرق علاجه، جالبة معها أشباه مختصين، وأطفال توحد أقل سماة وتأثرا، بل الذين أوتوا قدرات فائقة من رب كريم، ليظهروهم للمجتمع بأنهم ثمرة جهد خاص سواء من مركز أو عيادة أو راقٍ.

في اليوم العالمي للتوحد؛ سيشاهد الزائر في كل زاوية وركن من يعرض بضاعته وخدماته بل وإنجازاته الزائفة، سيشاهد موظفا تابعا لجمعية خاصة بالتوحد، يعرض على الزوّار بضاعته بإسلوب فيه استعطاف لقلوبهم، ليجني من غني متعاطف أو مسؤول قد خدع، شيك مالي قد يصل لمئات الآلاف أو عشرات الملايين يعود ريعه إلى خزانة الجمعية باسم أطفال التوحد.

أو إمرأة أضحت واقفة بمنشورات معنونة باسم مركز تعمل فيه، تحاول جاهدة إظهار خدمات مركزها بأجمل حلّة وأبهى صورة، لإقناع الأسرة بأن هذا المركز -والذي يعمل بمقابل مالي باهض الثمن- سيكون سببا في شفاء فلذة كبدها.

وسيرى الحاضرون مكانا قد هيأ للهو واللعب مخصص للأطفال ذوي الهمم، يقضون الوقت فيه كي لا يشعروا بالتعب والملل. ومكانا آخر مهيأ لإلقاء المحاضرات والاستشارات التثقيفية والطبية، وركنا لنشر الخزعبلات الشعبية، يكررون فيها ما قيل وتردد في الأعوام الماضية.

في اليوم العالمي للتوحد ستحضر الأسرة حاملة همومها معها لتبثّه لأولئك الذين استقبلوهم بالورود والابتسامات لتعود محمّلة بالآمال والأمنيات.

وفي ختام الفعاليات وقبل تفرّق الحضور ستوزع الشهادات وتشعّ الفلاشات لالتقاط الصور التي ستنشر لاحقا في الصحف وعبر الفنوات. وسيحمل المنظمون بضائعهم التي حضروا لأجلها، إما مالا قد سطّر في شيكات بنكية أو عملاء من الأسر سيحضرون مع أطفالهم لاحقا ليدفعوا الأموال الباهظة قيمة لجلسات علاجية.

وفي اليوم التالي أو الأسبوع الذي يليه سيعود الحال على ما كان عليه قبل يومهم الموعود، تجاهل المسؤول التام وعدم اهتمام، ضياع الجمعيات وتناحر من فيها فيما بينهم، ورئاسة بلا مرؤوسين ولا موظفين، لا عيادات أسنان، لا عيادات متطورة، لا مراكز مهيأة، لا جمعيات توحد مهتمة بمستفيديها، لا استشارات أسرية مجانية، لا جلسات تخاطب أو سلوك أو علاج برسوم رمزية، لا مختصين يعملون بذمة وضمير، لا مدارس تفتح أبوابها لأطفال التوحد فوق سن ١٢ عاما خاصة وحكومية، لتبقى عدة أسئلة مرّة تتردد على ألسن الأسر الموجوعة والمكلومة:
أين تلك الوعود؟ وما مصير تلك الأموال التي جنتها الجمعيات المعنية؟ وما فائدة الاحتفاء بفعالية لا عائد يرجى منها؟ وإلى متى تستمر البهرجة الإعلامية والوعود المعسولة مخالفة لواقع أطفال التوحد المؤلم وواقع الخدمات المتردية وحال المسؤولين الذين لم يستشعروا أبدا المعاناة الحقيقية للأسر؟!!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى