كتاب واصل

الطائف تغرق ..ووردة الطائف ذبلت…بسبب موت الضمير عند المسؤول (فيديو )

قبل سنوات كنت ادرس في مدينة عنيزة بالقصيم ، وبطبيعة الحال كل مدينة من مدن مملكتي الحبيبة تشكو موت الضمير عند المسؤول !! في تلك المدينة اجتمع عقلاءها وقرروا أن يغيروا شكل المدينة وتصبح مكان جميل يشتاق له البعيد قبل القريب .

المستشار " عبدالله الحارثي "
المستشار ” عبدالله الحارثي “

وفي تلك الأثناء وفقني الله للتعيين في وزارة التعليم معلما ، فغادرتها متجها لمدينة جميلة اسمع عنها ، ولكنني كنت غائبا عنها لظروف دراستي وعملي ، تلك المدينة يطلقون عليها المصيف ، وهناك من يطلق عليها مدينة الورود ، وكلها مسميات تجعل النفس تشتاق لها وشوقي لها بزيادة ، كيف لا اشتاق وقد ولدت فيها ، هناك في شارع التلفزيون وحي السلامة والوشحا والمثناه وحي المنتزه ومخطط الملك فهد وحي شبرا والعقيق وبني سويلم وشارع الجيش والكثير من الأماكن التي لها ذكريات جميلة

.درست في ابتدائية السعودية الصف الثاني انتقلت لمدرسة القادسية الصفوف العليا ثم انتقلت لمتوسطة اليرموك و بعدها لمهبط الوحي مكة المكرمة البلد الحرام ، وحتى لا اطيل عليكم نعود لموضوعنا الذي بدأناه. 

عندما جاء الخبر بنقلي حجزت امتعتى واتجهت بلهفة وشوق لأرى مدينة المصيف ، كيف حالها ؟! وهل زاد جمالها ؟! وكيف أبناءها؟ ! وبدأت أتساءل عن مواقع كنت أزورها في طفولتي ومنها على سبيل المثال 

 بقالة العقدة بشارع التلفزيون هل مازالت  كما هي لم تتغير ؟! وبقالة السلامة او ما يسمونها ابو محمود هل واكبت التطور أم ما زالت ؟! وحديقة المضباع هل تغير اسمها المخيف واصبحت مكان لنزهة اهل الحوية الشرفاء ؟ وحديقة العنود هل اصبحت عروس مثل امها عروس المصائف ام كما هي ؟! والكثير من الأسئلة تتواتر على مخيلتي ، وانا متجه عبر طريق القصيم الى الطائف .

ولا تلومونني اذا اسرعت وتجاوزت السرعة فقد غبت عن مدينتي الجميلة عشرون سنه ولم أراها إلا في التلفاز أو في زيارة عابره ،  وعلى العادة في كل سفر أحب أن أسمع الأخبار فسمعت خبرا أسعدني وزاد سروري أتريدون معرفته !!!

إنه ” خبر التكريم لمسؤول في امانة الطائف ” ولعل البعض يتعجب عن سبب سعادتي والبعض فهم المغزى من كلامي !!!  زاد سروري لأن التكريم بطبيعة الحال سيكون على جهد مبذول ، وتفاني في خدمة أهلي في مدينة المصيف عروس المصائف الطائف المأنوس.  

ومع هذا الخبر تخيلت مدينتي وشوارعها المتهالكة ، والتي تغرق عند أدنى رشة مطر ، تخيلت أنها أصبحت كلها ورود ، وشوارعها أصبحت من الطراز الحديث ، وتم توسعت الطرق،  وتغيرت كثير من معالم مدينتي الجميلة ، ولن أرى تكدس المياه في الطرق ، ولن تغرق مدينتي ، وتم إيصال الماء والصرف الصحي لكل منزل ، واستطاع المسؤول في الأمانة الذي أعلن عن تكريمه أن ينتقل بمدينتي المنسية إلى مصاف المدن المتقدمة  ، ولا أخفيكم فقد حزنت لبعض الوقت لأن بعض الأماكن التي عشت بها طفولتي الجميلة ستتغير ، ان لم تكن تغيرت بالكامل ، ولكن في سبيل تطوير مدينتي الجميلة كل شئ يهون.  

اقتربت في طريقي من مدينة ظلم بين محافظة عفيف وطريق الرياض ولا اخفيكم فهي مدينة موحشة بالليل ويعرفها كل من يسافر من ذلك الطريق ، أخذت اتجاهي للطريق السريع ، وبدأ القلب يرفرف من الفرح فهانذا على مسافة قريبة من مدينتي ، كانت الساعة ذلك الوقت الواحدة بعد منتصف الليل ، سيارتي كأنها تسابقني شوقا لها .

اقتربت من مدينتي ورأيت أنوارها فزادت نبضات قلبي خفقان واثناء مروري بحوار المطار ، احسست ان قلبي طار من بين اضلاعي ليسبقني إلى مكان ولادتي وذكريات طفولتي وحياتي التي عشتها مع امي رحمها الله برحمته الواسعة .

أقبلت عليك يامدينتي وانطبق علي قول الشاعر :

 اذا اشتبكت دموع في خدود …..تبين من بكى ممن تباكى

 نعم بكيت وهذه الدموع دموع الفرح ، لاني بعد غياب عشرين سنة ، أعود لالتقي باهلي وزملائي وأقاربي ، بعد عشرين سنة امشي على قدمي لاجوب كل الاماكن التي لي معها ذكريات جميلة .

وصلت بحمد الله على وقت صلاة الفجر وقلت في نفسي ساتجه إلى ذلك المسجد الذي لطالما ودعت فيه أحباب وأقارب وجيران ، أنه مسجد العباس ، ذلك المسجد الذي له ذكريات قد تكون حزينة أكثر لأن أبناء الطائف واهاليهم يودعون احبابهم هناك ثم يدفنونهم بجوار المسجد .

أوقفت سيارتي ودخلت لدورات المياه أكرمكم الله ، وقفت مندهشا مما رأيت ، ودار في رأسي أمور احزنتني ، توضأت للصلاة ثم توجهت للمصلى ، وقفت على الباب ، وتأملت المسجد من الداخل ومشيت في ارجاءه ، ونظرت إلى زاوية كان والدي يصلي بها فزاد تعجبي واندهاشي أتدرون لماذا؟!! لقد رأيت المسجد كما هو لم يتغير ففرحت لأنه أعاد لي ذكريات جميلة وحزنت لأنه ما يزال كما هو مع أن ملك القلوب والإنسانية الملك عبدالله رحمه الله صرف من وزارة المالية مبلغا كبيرا لإعادة ترميم وتجميل المساجد القديمة ومع صدمة رؤويه المسجد بهذا الشكل تخيلت مدينتي كماهي لم تواكب التطور ولم تتغير .

أقيمت الصلاة وصلينا ثم جاءت جنازة فصلينا عليها ، وتو جهنا للمقبرة وتم دفنها ، وهنا تلاشت جميع أحلامي ودفنتها مع هذا الميت ، وتخيلت أن كل من تمنى أن يرى مدينة الطائف جميلة مات قبل أن يفرح بجمالها ويستمتع بورودها وعبيرها .

بقيت أمام المقبرة أتذكر الكثير والكثير من الأحباب الذين دفناهم هنا ودمعت عيني وبكيت ثم دعوت لهم بالرحمة والمغفرة ، وخرجت من المقبرة متثاقل الخطى واسحب رجل تلو الأخرى ، وفي ذاكرتي أحلام تلاشت وامنيات لم تتحقق ، ومدينة ما زالت تقبع تحت مسؤول ميت الضمير .

تمنيت أن أعود لمدينة عنيزة والتي تغيرت وأصبحت مبتغى كل من سافر باتجاه القصيم ، وكم تمنيت أنني لم اصل لمدينتي وهي بهذا الشكل !!خرجت من مقبرة مسجد العباس لا أعرف لي طريق فقد أغلقت الشوارع بأعمال الحفريات والتي لا تظهر إلا عند زيارة مسؤول أو زائر للمدينة في العطلة الصيفية .

قلت في نفسي قد يكون المسجد يحتاج لوقت لترميمه،   وتأملت الشوارع والمنتزهات فتذكرت حديقة قديمة من اسمها تخاف!!

قلت لماذا لا اتناول فيها وجبة الإفطار ، فلها ذكريات قديمة انها “حديقة المضباع ” الواقعة على طريق شارع الستين بالحوية المؤدي لجامعة الطائف ، اشتريت وجبة الإفطار واتجهت بلهفة وشوق لتلك الحديقة ، وتخيلتها جنة خضراء وواحة غناء ، وعندما وقفت أمامها صدمت فلا أشجار ولا ورود ، وحيث أن أبناء الحوية وحي الواسط ورحاب ومثملة ليس لهم إلا هذه الحديقة والتي تعتبر هي الملجأ لأبناءهم ومتنفسهم  الوحيد ،  والتي لا استغرب أن بقاءها بهذا الحال المتهالك ، لأن هناك من يريدها لنفسه و يضمها لاملاكه .

فهل يعقل حديقة بلا أشجار؟ ! هل يعقل أن تبقى بلا ورود وازهار؟ ! تساءلت ما السبب في بقاءها بهذا الشكل فتذكرت تلك القصة المؤلمة وهي خاتمة المطاف وسامحوني على الإطالة .

قبل عشرون سنة كنت في مناسبة وجلست بحوار رجل من أهل الطائف الشرفاء،  وكنا نتجاذب أطراف الحديث عن سوء التصريف في الطائف وامتلاء االشوارع بالمياه ووجود بعض الحدائق بلا اهتمام وتركها للغرباء ودواب الأرض .

فنظر الي وقال اسمع وانقل عني ، كان لي ابن خالة شاب تخرج من الثانوي وحصل على دورات في الحاسب الآلي وبعدها تم تعيينه بأمانة الطائف  ، وبعد مرور عامين على تعيينه سمعت من أقاربي انه اشترى سيارة جديدة” جيب vxr ” آخر موديل ،  وحصل على أرض وبني عليها عمارة دورين وملحق ، ففرحت له ولكنني تعجبت من هذا المال الوفير الذي حصل عليه في فترة قصيرة ،  وقلت في نفسي لعلها تجارة ربح منها ، فلماذا لا أقوم بزيارته ومعرفة سبب هذا الغناء الفاحش في أقل من عامين .

يقول انطلقت لزيارته في بيته الجديد،  وباركت له ،  وبعد تناول الشاي والقهوة سألته ممازحا اياه وقلت ياخي عطنا مما أعطاك الله ،  وعلمني كيف اكون مثلك في سنتين صرت غني كيف حصلت عليها ؟! ولأن بيني وبينه ثقة أخبرني وقال كلمة كانت كالصاعقة على رأسي ” انا اقل من يسرق في البلدية ” وتذكرت حينها كلمة الأمير ابن جلوي في تفريدته “أن الطائف فيه فساد إداري ومالي أعظم من أي مدينة في المملكة ” قلت له الاتستحي من الله وانت تقول هذا الكلام ؟! هل ترضى ان تسكن بيت كن مال حرام وتقود سيارة من خيانة للامانة ؟! تساءلت كيف استطعت إخفاء الحقيقة  ؟! فاجابني وهو يضحك ”  في يوم من الأيام جاءني رجل أعمال ، وطلب لقاءي على انفراد ، أخذني معه بسيارته الفارهه ، ثم اوقفني على حديقة في حي من أحياء الطائف ، بجوار منزله وبينه وبينها ممر أغلق ولا أحد يستخدمه ، واتفقنا على ان تصبح هذه الحديقة ملك له ، وتم ما أراد مني واعطاني المكافأة كما ترى” .

هنا وقفت أعيد شريط الذكريات المؤلمة فقلت هناك في عنيزة مسؤول امين بمسمى أمانة وهنا في مدينتي مسؤول أمانة بمسمى خيانة ولا حول ولا قوة إلا بالله .

بالأمس يظهر الخلل ويتبين التقصير والإهمال ، ويظهر أثر الكلام والكذب والدجل ، فما رأيناه بالأمس من غرق الشوارع والمركبات ودخول المياه على كثير من المنازل ، لهو دلالة على خيانة الامانة وان هناك سرقات لاموال الدولة التي تم صرفها في سنين مضت ، وما منتزه الردف ببعيد فهو كذلك يشكو سوء التصريف فالمياه غطت الأشجار واعمدة الكهرباء إلى النصف ، فياترى  هل سنرى مقبرة مسجد العباس تخرج موتاها من قبورهم بسبب سوء التصريف وفقدان الضمير عند سيدي مسؤول الأمانة ؟!

هل سيبقى مصيف المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله تعالى ومدينة المصائف في أيادي ملطخة بالدماء ؟!

 إلى متى وأبناء الطائف الشرفاء يعانون من تلك الأمانة ووعودها  الكاذبة ؟!

إلى متى وصاحب المعالي ينتظر الترقية على جراحات أبناء الطائف ؟! هل يعقل أن يبقى من دمر الطائف وسرق ميزانياتها المصروفة من الدولة في مكانه ويعطى له الأمر والنهي ؟!

إلى متى وبعض وسائل الإعلام تنمق الخائن وتنعته بالأمانة وضميره ميت وقلبه لا احساس  فيه ؟!  هل ننتظر فيضانات تقضي على جمال مدينتي وورودها واشجارها ؟!

ولعل الكثير من ابناء الطائف يتساءلون لماذا لم يقام مهرجان الورد في منتزه الردف الترفيهي ويتم اقامته في منتزه خاص ؟! أم أن منتزه الردف سيغرق ورود الطائف كما اغرق  أهلها من قبل ؟!  ام ان الممتزه سيفضح مسؤولين الامانة ؟!

 أتمنى من سيدي المسؤول ان يحاسب نفسه ويتذكر أن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل  ، وحينها وفي ذلك اليوم العظيم ينطبق عليه قول المولى سبحانه ” وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى