كتاب واصل

الازدحام في مدينة الرياض و البحث عن حلول عملية

كتبة : منصور ماجد الذيابي

لها في القلوب مراتعٌ و قصورُ *** و لأجلــها تبقى المنــازل سامــقات

هي قلبُ نجــد النّابض المُتجدّدُ *** و هي التي أخذت من القمر صفات

كنت أشرت في مقالات سابقة عن توسع نطاق النمو العمراني وما يعقبه من حدوث الازدحام في المدن الكبيرة و من بينها مدينة الرياض العاصمة, أشرت الى أن ازدحام المركبات في الطرق الرئيسة وما ينتج عن هذا الازدحام من اختناق و ارباك للحركة المرورية و بطء شديد في انسيابية حركة السيارات هو أكثر ما تتميز به المدن والعواصم الكبيرة في العالم نتيجة لتوافد أعدادا كبيرة من الناس الى العاصمة بحثا عن فرص العمل و التعليم, و أيضا نتيجة للقدوم والهجرة حتى من بعض الدول الأخرى الى المدن الكبيرة في المملكة حيث مقر البعثات الدبلوماسية و المؤسسات الحكومية و شركات القطاع الخاص التي تساهم في تنظيم المؤتمرات والمهرجانات والمسابقات والاحتفالات في المدن الكبيرة, مما يرفع من معدل النمو والكثافة السكانية و يؤثر على جودة الحياة وعلى مستوى الطاقة الاستيعابية للمدينة.

وبالنسبة لمدينة الرياض, فإنها تعد احدى أسرع مدن العالم نموا عمرانيا و أكثرها تجمعا بشريا, كما و أنها تعد واحدة من أكثر مدن العالم كثافة سكانية و نشاطا بشريا و توسعا عمرانيا يتطلب قيام الادارات الحكومية بتقديم جهود كبيرة تكون مواكبة لإيقاعالتوسع والنمو, ومتكافئة مع حجم النشاط البشري والازدحام المروري في مدينة كبيرة مثل الرياض العاصمة كما أوضحت في مقالات سابقة بعنوان     النمو في المدن الكبيرة .. متى سيتوقف؟! “, و “ الطريق الى الجامعة .. سرعة و زحام شديد”.

واليوم, ومن خلال هذا المنبر الصحفي, فإنني أود أن أساهم بتقديم بعض الآراء البسيطة التي يمكن أن تسهم الى حد كبير في ايجاد حلول عاجلة وناجعة لمشكلة الزحام المروري والنشاط البشري الكثيف في عاصمة بلادنا الرياض حيث نشهد يوميا حالات الزحام و نعيش في أجواءه على الطرق الرئيسة التي تُعد أهم مسببات الزحام من حيث التصاميم الهندسية التي قد تخلو من وجود مخارج لفك الاختناقات المرورية قبل الوصول الى تقاطعات الطرق اضافة الى عدم وجود أنفاق أو جسور في بعض الطرق الرئيسة بحيث يمكن استيعاب أعداد كبيرة من المركبات والشاحنات الكبيرة التي تسهم كذلك في ارباك وانسيابية الحركة المرورية.

يضاف الى العوامل المتعلقة بالطرق في حدوث الازدحام داخل المدينة ما يتعلق بحركة وكثافة العنصر البشري, وهو العامل الذي يمكن أن ينهي مشكلة الزحام المروري اذا ما سعت الجهود الحكومية الى البحث عن آفاق جديدة لكبح معدلات التدفق البشري والهجرة باتجاه المدن الكبيرة التي لم تعد تحتمل أية زيادة بشرية في عدد السكان المحليين, وكذلك شريحة العمالة الوافدة الى مدينة مثل الرياض حيث يعيش فيها قرابة الثمانية مليون نسمة وفقا لإحصائيات تعداد السعودية في عام 2022

ومن هنا, ولأجل تخفيض هذا العدد الكبير في مدينة الرياض بهدف الوصول الى حلول عملية لمشكلة الازدحام المروري, فإننيأرى لو أن تقدم الجهات الحكومية المعنية في بلادنا مزايا مالية وامتيازات خدمية و عروض تشجيعية لكل من يرغب في الانتقال من المواطنين الى الضواحي والمحافظات المحيطة بمدينة الرياض لأجل أن تعزز من الجهود التي بذلتها الحكومة السعودية سابقا و تدعم الخطط الاستراتيجية المتعلقة بالنقل العام للقطارات والحافلات مما سيكون له الأثر القوي في تخفيف الازدحام المروري على الطرق الفرعية والدائرية.

وفي تقديري أنه فيما لو تم تقديم عروض تشجيعية لكل من يرغب في الانتقال طوعا الى المحافظات القريبة مقابل الحصول مثلا على وحدة سكنية في المحافظة التي سينتقل اليها اضافة الى عروض أخرى تتعلق بالتأمين الطبي في مستشفيات المدن الكبيرة, و منح المغادر تذاكر سفر مجانية اذا ما رغب في التنقل بين مطارات المملكة لمدة زمنية محددة بالإضافة الى حصول ابناء المهاجر على أفضلية القبول في أي من جامعات المحافظات القريبة من الرياض, و ترقيته وظيفيا الى المرتبة التي تلي مرتبته الحالية, و سداد الديون وغير ذلك من المزايا لكل من يُقرّر مغادرة المدينة والاستفادة من المزايا والخدمات اسهاما في خفض نسبة التجمعات السكانية فيها, وبالتالي خفض نسبة الانبعاثات الكربونية من خلال الحد من تزايد أعداد المركبات بكل أنواعها, ومن ثم مجابهة التحديات المتعلقة بالزحام المروري لكي نقترب من حل المشكلة نهائيا.

كما أرى أنه من المهم أن تتضمن المزايا والامتيازات التي تقدّم في اطار حملة الحد من الازدحام في مدينة الرياض هو أن تنظر الجهات الحكومية المعنية في امكانية اعفاء المستفيد سابقا من قروض صندوق التنمية العقاري اذا ما تعهّد المقترض بالانتقال و قدّم ما يثبت مقر السكن خارج الرياض.

وكذلك و من أجل تخفيض معدّل الزحام, فإنني أرى لو أن يساهم القطاع الخاص في حملة التشجيع على الانتقال الى ضواحي ومحافظات منطقة الرياض من خلال أن تتحمّل مؤسسات القطاع الخاص ذات القدرة المالية الكبيرة دفع ما نسبته 50-70% من تكاليف النقل و شراء وحدات سكنية في حال تقديم ما يثبت انتقال المواطن واستقراره في احدى محافظات المنطقة الأمر الذي من شأنه تقليل استنزاف الموارد وخفض مستوى التجمعات السكانية والانبعاثات الكربونية في المدينة من ناحية, و انعاش اقتصادات محافظات المنطقة من ناحية أخرى.

وكما أوضحت في مقال سابق بعنوان ” النمو في المدن الكبيرة .. متى سيتوقف؟”, فانه من المهم لخفض معدل الازدحام المتزايد أن تتوقف عملية النمو العمراني عند حدودها الحالية في مدينة الرياض, بمعنى وقف الزحف العمراني للمخططات السكنية باتجاه المحافظات المحيطة بمدينة الرياض لتجنب أن تصل جذور المشكلة الى مستوى أكثر عمقا و تعقيدا.

وأخيرا, وكما ذكرت في مقال سابق بعنوان ” القوى العاملة المهاجرة ” و أثرها من الناحية الديموغرافية على معدل التركيبة السكانية, فقد يكون من المفيد اجراء دراسة تنظيمية تستهدف شريحة موظفي القطاع الخاص من الأجانب المقيمين والوافدين من حيث اعداد الخطط المستقبلية لإنشاء مدن صناعية و مرافق خدمية تبعد عن الرياض من 80-100 كيلو متر على أن يُنقل اليها جميع العاملين في قطاع الشركات ومعارض السيارات والفحص الدوري للسيارات وكذلك ورش الصيانة و سوق الأغنام مع مراعاة أن يتم تحديد يوم واحد في الأسبوع يسمح فيه لمنسوبي هذه المصانع والشركات من المقيمين الأجانب بزيارة العاصمة الرياض عبر حافلات نقل جماعي توفرها تلك الشركات لمنسوبيها الراغبين في دخول حدود النطاق العمراني لمدينة الرياض, ومن ثم استخدام حافلات النقل لدخول وسط المدينة.

وبتخفيض عدد السكان يمكن لنا حينئذ التصدّي لمشكلة الزحام ومن ثم توفير أجواء لطيفة وهادئة في عاصمة بلادنا, الرياض الخضراء التي تعاني من سيل السيارات والدراجات المتدفق عبر الطرق, و تعاني أيضا من تسونامي بشري يجوب شوارع المدينة الفاتنة و الوادعة في أحضان الطبيعة.

ان كان في البلدان من فاتنة جذّابة ** فهي الرّياض التي لجمالها نهواهــــأ

سافرتُ بحثاً عن مدائن ساحراتٍ ** فلم أجد مثل الرياض بلطف هواهــــأ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى