كتاب واصل

(ممدوح بن عبد العزيز إلى جنات الخُلد)

الكاتب/ نايف الخمري
جاءني الخبر المُفجع والمؤلم لخبر رحيل صاحب السمو الملكي الأمير ممدوح بن عبد العزيز آل سعود ـ رحمه الله ـ وفي فجيعتي أستحضر قول ابن الرومي:
وأنتَ وإن أُفْرِدْتَ في دارِ وَحشةٍ …. فإني بدارِ الأُنسِ في وَحْشَةِ الفَرْدِ
هكذا رحل الأمير والشيخ الجليل إلي دنيا الخلود بهدوء صادق وفي صمت كعادة الكبار في هذا الوطن، ترجل الأمير ممدوح بعد أن امتد به العمر وأختاره الله إلي جواره بعد مسيرة رائعة زاخرة بالأعمال الصالحة والخصال الطيبة حافلة بالخير والعطاء وذهب إلى حيث لا عودة كان طوال حياته الحافلة مُخلصاً لقضايا وطنه وترك خلفه أجمل سيرة عطرة وأجمل ذكرى ندية رحل عن الدنيا رجل الإحسان والتواضع والخُلق العالي طيب المعشر كريم النسب زكي الفؤاد كريم السجايا حسن السيرة نقي السريرة رحل هذا الأمير الجليل وهو زاهداً في الدنيا بما كان يتمتع به من التقوى والتواضع والبساطة والإنسانية المعطاءة بأوسع معانيها النبيلة ، نحسبه كذلك وحسيبه الله تعالى .جاء نبأ الرحيل فاجعاً لي رغم تقدمه في السن كنتُ اتمنى أن لا يأتي اليوم الذي أجد نفسي أكتب عنه راثياً أو مواسياً فالكلمات قد عجزت عن التعبير، لكنني أحاول استجداء قلمي الذي يأبى على الكتابة عن هذه الشخصية الفريدة بثراء عطائها وتنوعها هذا الأمير النبيل لقد كان نعم الأب الذي غمرنا بعطفه وكرمه وبأبوته الحانية ورغبته الصادقة بتقديم العون والمساعدة لكل محتاج وكان قلبه وبابه مفتوحاً للجميع يُطلِق عليه الناس الأمير الزاهد المتواضع. فكلماتي تتقزم أمام القامات السامقات والمقامات الشامخات، برحيله انفض مجلس الخير والعطاء وانطوت صفحة خالدة من صفحات الإنسانية والفكر والأدب والثقافة والعلم كان سموه محباً لأهل العلم والعلماء ألجم ألسنة الخوارج كثيراً ورد سهامهم إلى نحورهم ولقنهم دروساً قاسية في كيفية الحفاظ على الوطن وأبنائه وطاعة ولي الأمر وواجه فكرهم مبكراً كان واضحاً بالحجة وصاحب رأي حصيف .أسد هصور يدافع عن دينه ووطنه، كان لي شرف معرفته منذُ سنوات فقد كانت روحه مشرقة ، مرحة جميلة وسهلة فهو هالة من الود والصفاء ومن خلال تعاملي معه عرفت فيه النبُل والصدق والحُلم والتواضع والتسامح تحدثت عنه كثيراً في بعض مقالاتي السابقة خاصة عندما زار والدي ـ رحمه الله ـ في داره المتواضعة برغدان وكان في ذلك تقديراً كبيراً لوالدي ولا أنسى فضله عندما جاء تقديراً وتكريماً لوالدي. وجدت فيه البساطة والإنسانية وتواضع الكبار الأصيل -إن لم تخني الذاكرة ـ حينها قال له والدي بفطرته وبساطته وصفاء عفويته بعد أن رحب به (ياممدوح) أنا وشقيقي الأكبر كنا جنوداً مع المرحوم الملك فيصل في حرب اليمن وكان معسكرنا في الحديدة أنذاك وأخذ يحكي له عن أيام صباه الباكر حيث كان راصداً دقيقاً لكثير من الأحداث بكل تفاصيلها ومحطاتها المهمة وشخوصها في ذلك الزمن. وكان سموه بأريحيته يستمع إليه بشوق وحبور وباهتمام وإنصات وقد شعر والدي بالحرج الشديد والطمأنينة ترتسم على محيا سموه حيث أنه لم يٌقدم لقباً يناديه به ولكنه استدرك الحديث سريعاً بترتيب الأشخاص والأشياء وكان حاضر الذاكرة مع تقدم سنه إلا أن سموه كان يتجاذب مع والدي أطراف الحديث بهدؤه وابتسامته المرتسمة على وجهه الصبوح ولغته الحنونة من غير تعالي ولم يكن يعتد بالألقاب ولا المسافات العمرية والمقامات الفاصلة بينهما وزال الحرج عن والدي وسادت الحميمية في الحديث بينه وبين سموه وقال له الأمير أنت رجلاً صادقاً ومثالاً للولاء والإخلاص والانتماء لوطنك ورد عليه والدي بعد أن انفرجت أساريره وقال له بارك فيك يا طويل العمر وحفظك وأبقاك ذخراً وملاذاً لي وأسأل الله أن يمد في أيامك ويمتعك بالصحة والعافية فأنت صاحب الأيادي البيضاء والفضل الجميل لأنك أكرمتني بهذه الزيارة التاريخية فأنت أهل الوفاء ومنبع الطيب والتواضع. ولكن سموه كان دائماً يرفض رفضاً تاماً أي محاولة للإشادة به أو بما يقوم به ولا يرضى المدح والثناء وكلمات الإطراء من أحد. فقد كان زاهداً بمتاع الحياة بعيداً عن الأضواء حليماً صبوراً يدرك معنى التسامح لم تغير سموه المناصب ولم يغيره المال ولا الجاه عاش حياة عظيمة متصالحاً مع ذاته متواضعاً يُجِل الناس ويُجسد كل الصفات والخصال الحميدة بنبض الإنسانية والبساطة المليئة بالحب في كل صورها بعيداً عن المظاهر حتى لقي ربه. كان بسيطاً في كل شيء لذلك لم يكن ثرياً بالمال بل كان ثرياً بمحبة الناس لأنه كان قريباً من وجدانهم وكان واحداً منهم، لقد تجسدّت في سموه كل المعاني السامية للخير، وهب كل أمور حياته للأعمال الخيرية يدعو دائماً للوسطية والاعتدال يحمل بداخله الحب للجميع. كيف لا وهو سليل أسرة آل سعود رفيعة النسب ماجدة الأعراق بتاريخها الراسخ العريق. كانَ قريباً من الناس لطيفاً ورحيماً مع الصغير وكريماً وعطوفاً على الكبير. حتى بادلوه جميعاً حباً بحب ووفاءً بوفاء. كريم الخصال كثير البذل بماله وعطائه بعيداً عن المظاهر لا يقف عن بذل الخير. شجاعاً في قول الحق له المقدرة البارعة في المواجهة وصياغة الأحاديث والقدرة في إدارة النقاش وإثارة الآراء وتبادلها من خلال فكره ووعيه بشؤون وطنه، مما لا شك فيه ان رحيل الأمير ممدوح سيترك فينا فراغاً يصعب ملؤه، لكنَّ العزاء أنه ذهب إلى جوار ربه الغفورٍ الرحيمٍ. لكننا سنظل نذكره بالخير وندعو له بصادق الدعاء ما دمنا على قيد الحياة. ونسألُ الله تعالى أن يباركُ في ابنائه، وأن يجعل البركة فيهم وفي ذريتهم وأن يجعَلّهُم خيرَ خلفٍ لخيرِ سَلف حتى تتواصلَ هذه السيرةُ العطِّرة، ونعزي أنفسنا والوطن في هذا المصاب الجلل وتعزية خاصة لمقام سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أطال الله بقاءه وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان والأسرة المالكة وخالص العزاء والمواساة لجميع أفراد أسرته الكريمة. اللهم إنا لا نزكي عليك عبدك الأمير ممدوح التقي النقي الزاهد الوقور العابد الصوام القوام ولكننا نشهد ـ وأنت خير الشاهدين ـ بأنه كان رجلاً نبيلاً تقياً نقياً حليماً صبوراً.
تلويح:
رحم الله الأمير ممدوح بن عبد العزيز وأسأل الله تعالى أن يتغمده الله برضاه ويسبغ عليه نعماءه بقدر ما قدم لوطنه ودينه ومليكه وأن ينزل على قبره شآبيب رحمته وغفرانه وأن يكرمه بعالي جنانه وأن يلزم أهله وذويه ومحبيه الصبر الجميل وحسن العزاء والسلوى ورحم الله أبي وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وعباده الصالحين وحسن أولئك رفيقا وطيب الله ثراهم جميعاً،
نايف الخمري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى