كتاب واصل

” بين قريتي والمدينة وسنوات الغربة “

أ/ محمد العمري

في داخل كل إنسان منا جانب يحن فيه إلى مسقط رأسه وجذوره وتلك الأرض التي نشأ بها والده واجداده، ولكن طلب الدراسة والعمل هي من جعلت الكثير منا ينتقل إلى المدن في أرجاء المملكة التي وحدها ذلك الرجل القائد بحكمة ورؤية ووحد بين قبائل عديدة تحت لواء الدين والوطن فأصبحوا ينعمون بخيرات لاتجدها في كثير من البلدان.
نعود للحديث عن تلك القرية الهادئة التي تقع على قمم جبال السروات في منطقة تعانق الغيم عناق محبة وهيام فيسقط الغيث لترتوي الأبار وذلك الوادي الذي يخترق القرية ويروي مزارعها ومدرجاتها فترى الخضرة تكسو سفوح الجبال وجوانب البيوت.
كان مجتمعها كما حكى لي والدي رحمه الله على قلب رجل واحد فتجدهم مجتمعين في المسجد وفي الفرح وفي الحزن وفي حفر بئر وفي بناء بيت وفي زراعة وفي حصاد وفي كل الأمور يحب الفرد لأخيه مايحب لنفسه.
عندما اعتدنا العيش في المدينة بين شوارعها وبناياتها العالية وازدحام أسواقها والركض المستمر وراء الحضارة والتكنولوجيا التي أثرت في أبنائنا قبل أن تؤثر بنا فباعدت بين أفراد الأسرة الواحدة في البيت الواحد وأصبحت العلاقات الاجتماعية تمارس من خلال وسائل تلك التكنولوجيا مما انعكس على نفسياتنا وارواحنا التي أصبحت تضيق بأصغر الأشياء.
لذلك قررت أن أعود إلى تلك القرية وأبحث عن أمور كثيرة نفتقدها في المدينة وأحاول أن أرى ماحكى لي والدي رحمه الله وأسعى إلى تصفية الذهن والجسد من إزعاج المدينة وتلوثها.
وكانت المفاجأة التي لم اتوقعها في تلك القرية ألتي علقت عليها وعلى أهلها آمال وأمنيات.
فلقد وجدت أن البعض لايعرف البعض وان اجتماع المسجد ينتهي بانتهاء سلام الإمام وأن الاحتفاء أو تقديم المساعدة يحكمه مصلحة معينة وان الحديث دائما عن الجوانب السيئة من أشخاص ضد أشخاص هناك خلاف بينهم على أمور ليست ذات أهمية مما ترتب عليها تنافر بين افراد تلك القرية ومما ادخلني في احاديث لا ناقة لي بها ولا جمل رغم محاولاتي التخلص من تلك الأحاديث التي سببت لي ارتفاع بضغط الدم والسكر.
حاولت ان اشغل نفسي وعائلتي بالاستمتاع بالطبيعة وترك تلك المنغصات فاكتشفت أن هناك من يراقب خروجي ودخولي ومتى تقف سيارتي ومتى تتحرك ولا ادري ماهي الفائدة وراء ذلك.
رحمك الله ياوالدي فقد تغيرت قريتك كثيرا ولو كنت تراها الآن لأصابك الهم الكبير.
إلى هنا ويكفي سأعود الى المدينة فهناك أجد جاري الذي يسأل عني بصدق ومحبة برغم انه ليس من اقربائي وسينعم أولادي باصدقائهم ويستفيدون من الحضارة التي تنير عقولهم وتوسع مداركهم وأجد المشفى المتخصص والمتنزهات المخدومة والأسواق التي توفر لأسرتي ماتريد وقت ماتريد .
وداعاً ياقريتي وإلى لقاء في موعد قصير وسريع لايجعلني أكتشف المزيد مما يشوه تلك الصورة الباقية التى رسمها والدي لكي.
سامحونا…….   .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى