كتاب واصل

المثقف العربي

بقلم : سعد الكودري

الأمم تسير وفق النمط السائد للتحضر وتتشكل طبقاتها وتوجهاتها وفق مايحقنه أفراد الطبقة المستنيرة فيها من أراء، ويقصد بالطبقة المستنيرة أصحاب القلم والفلاسفة والأدباء من التيارين النثري والشعري، وذلك يوم كان المثقف العربي قديما هو ذاته المجتمع وضمير المجتمع وصوت المجتمع .

ولكن المطلع على حال المثقف العربي اليوم والمجتمع يجد البون شاسعا لتقريب وجهات النظر والوصول إلى توافق، والمقاطعة مستمرة ولا أمل لإعادة الدفء لهذه العلاقة، أو إعادة المياه إلى مجاريها على نحو يرضي الجميع ، والهوة تتسع يوم فيوم وذلك كلما إبتعد المثقف عن إيجاد ذاته، وذلك أن المثقف العربي الحالي يعيش في برج عاجي بعيدا عن قضايا هذا المجتمع أو مايصبو إليه، وينظر إلى تطلعاته بأذن صماء وعين عمياء، ويدير ظهره لمواضيع سمي مثقفا من أجلها .

وهذا يفسر خلو قاعات وصوالين المثقفين العرب عن الحضور ليس لأن المواطن العربي ليس مثقفا، بل أن المواطن العربي أكثر ثقافة من المثقف ذاته ولكنه مل من مقارنة الحقيقة بالواقع .

إن المثقف العربي وبكل تجرد يعيش في كوكب والمواطن العربي في كوكب أخر فتجد هذا المثقف يصيف في باريس ويسكن القصر ويركب المرسيدس ويدعو المواطن العربي للزهد، وتجده يدعو إلى تحرير الذات من عبودية الرأي الأخر وهو يعيش في قوقعة أراء أثبتت التجارب فشلها منذ القرن الماضي .

أصبح بعض المثقفين العرب ينظرون إلى الثقافة على أنها موسيقى وخمر ونساء وأزياء وممارسة الحياة بطريقة تختلف عن نمط المجتمع بأسره، مما يزيد الأزمة تعقيدا والمثقف عزلة .

أصبح دور بعض المثقفين العرب شبه محصور في محاولة طمس الهوية وإستيراد هوية بديلة، ومصادرة حقوق الأخرين في التعبير إذا خالف رأيهم وإستدعاء أنواع الفزاعات .

ولذلك نجد مثقفين مضى عليهم ألاف السنين أراهم باقية حتى الان وذكرهم متعمق في وجدان الناس كسقراط الفيلسوف المعروف وذلك أنه عاش للجماهير فهو يكمن في الأسواق والأزقة وبيوت الفقراء وألحفة المساكين وحيث يوجد الضعفاء، ونجد مثقفين قد يكونون أقوى منهم في الأراء والمؤلفات ماتوا منذ عهد قريب ومات ذكرهم وأراهم معهم .

دوما المثقف العربي ينخاز إلى مصالحه أو إلى أروقة القرار بعيدا عن رغبة الشارع فرق بين مثقف يجعل من الجماهير مطية لرغباته، وبين مثقف يجعل نفسه مطية للجماهير لتحقيق رغباتهم .

إن المثقف العربي مثقف لنفسه حتى في عصر إنقسام الأمة إلى معسكرات متطاحنة شرقية وغربية ليبرالية وقومية وإسلامية إشتراكية ورأسمالية ظل المثقف العربي محايدا حتى تميل الكفة فيميل إلى الرابحة بعيدا عن ألتزامه بقلمه أو مشاعر جماهيره .

اشتغل المثقف العربي ميتافيزقيا بما لا طائل منه وبمواضيع أرادها أن تكون ظاهرة إجتماعية كالعري والإنحلال ونشر التفكك الأسري وشؤون المرأة والليبرالية وتناسى الجوع والفقر والتعليم والصحة ونشر الوعي وحقوق الإنسان ونحوها، وأصبح المثقف العربي كمكتب أجرة لإيصال مايريده غيره متناسيا مابشر به الناس من مكاسب، وهذا من أسباب جعل المثقف العربي يعيش في عزلة شبه تامة وذلك بعد ما أنفضت الصفوف من حوله حيث أن الجماهير العربية لاتريد إلباسها بخطاب لايتناسب مع تطلعاتها وثقافتها .

يعيش المثقف العربي مصير مجهول تماما رغم الجوائز العالمية التي يحصدها إلا إنها لاتزيده إلا عزلة وقطيعة مع الذات والمجتمع حيث أنه يعيد النظر في ذاته مرة أخرى أنه خلق من ذهب وغيره من طين،و أيضا أن مايعرضه يتعارض تماما مع مايريده المجتمع، وأيضا أثبت المثقف العربي الحالي تخليه عن الجماهير في الأزمات في الوقت الذي يحتاج فيه إلى خطابه وعقله وأخر الأزمات الثورات العربية، مما يعيد في أذهان الجماهير إعادة تكريس الأنانية، ويزيد الجماهير وعي أن يعيد صناعة الثقافة وإستيلادها بنفسه، لذلك أصبح المثقف العربي لا وجود له بشكل شبه تام  . 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى