خلّك حُرّ..
بقلم/ د.خالد علي الغامدي اخصائي نفسي وخبير تربوي
في زمن تتسارع فيه التغيّرات وتتداخل فيه المفاهيم، أصبحت كلمة “أنا حرّة” تتردّد كثيرًا، حتى تحولت عند البعض إلى مبرّر لأي تصرّف، مهما كانت عواقبه. بنت تختلف مع والدتها فتقول “أنا حرّة”، وزوجة تغضب فتُطالب بالخلع قائلة “أنا ما أبغى أكمّل”، وولد يرفع صوته على أبيه بحجة أنه “حر”، وفتاة تتصرّف كما تشاء ثم تبرّر ذلك بأنها تملك الحق في أن تعيش كما تريد. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل هذه حرية حقيقية؟ أم مجرّد غطاء لقرارات غير ناضجة وانفعالات لحظية؟
عندما تتحوّل الحرية إلى وسيلة للهروب من المسؤولية أو مبررًا للإساءة للآخرين، فإنها تفقد معناها الحقيقي. الزوجة التي تختار الانفصال فقط لأنها ضاقت أو غضبت لحظة، دون محاولة إصلاح أو حوار أو صبر، لا تمارس حقًا بل تفتح بابًا للفوضى في حياتها وحياة أسرتها. والزوج الذي يعيش حياته كما يشاء خارج بيته، متجاهلًا مشاعر زوجته وأبنائه، ينسى أنه مسؤول، كما قال النبي ﷺ: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته”. والابن الذي يتطاول على والديه تحت غطاء الحرية، ينسى قوله تعالى: “فلا تقل لهما أُفّ ولا تنهرهما”.
الحرية في الإسلام ليست مُطلقة، لكنها عظيمة، مشروطة بالوعي والعدل، تبدأ من الداخل، وتُوزَن بميزان المسؤولية. قال الله تعالى: “قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضلّ عليها”. هذا يعني أن لك حرية القرار، لكنك وحدك تتحمّل النتيجة.
المشكلة أن بعض الناس يردّد كلمة “حرية” وهو لا يعرف معناها ولا يعرف تبعاتها. كثير ممن يرفعون هذا الشعار لا يملكون الثقة الكافية ليواجهوا الحياة بنضج، ولا يملكون العلم الكافي ليفرّقوا بين الفوضى والحرية. الإنسان الواثق لا يصرخ ليؤكد حريته، والمتعلم يدرك أن احترام الآخر جزء من احترام نفسه، وأنه لا وجود لحرية مطلقة، لأن الحياة بطبيعتها مرتبطة بغيرك.
الحرية ليست انفلاتًا من القيم، وليست تمردًا على الأسرة أو خلعًا للحياء، بل هي فن التوازن، وذكاء الاختيار، ووعي بالمسؤولية. الحرية التي لا تُعلّم تُضل، والتي لا تُربّى تؤذي، والتي لا تُقيد بالقيم تنقلب إلى أنانية.
علّموا أبناءكم أن يقولوا “أنا حرّ” لكن باحترام، وعلّموا بناتكم أن يقولن “أنا حرّة” لكن بوعي، وعلّموا أنفسكم أن الحرية الحقيقية تبدأ من القلب الذي يعرف ربه، ومن العقل الذي يُفرّق بين الحق والهوى.
في النهاية، خلك حُرّ.. لكن لا تضُر.