كتاب واصل

مراقبة البشر عبر التكنولوجيا

الدكتور خالد علي الغامدي اخصائي نفسي وخبير تربوي

هل التكنولوجيا أصبحت اداة تقييد أم تسهيل؟

في عالمنا الرقمي اليوم، أصبحت أدوات المراقبة جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية، إذ تتوسع قدرات تتبع الأفراد بشكل غير مسبوق. من الهواتف الذكية إلى الذكاء الاصطناعي، ومن الكاميرات إلى البيانات الضخمة، تتجمع حول الفرد منظومة تكنولوجية تراقب كل خطوة، بحجة الأمن أو تسهيل الخدمات، لكن هذا التوسع يثير مخاوف متزايدة بشأن الخصوصية والسيطرة.

الهواتف الذكية مثال واضح، فهي لا تفارق أيدينا، وتجمع بيانات دقيقة عن موقعنا، وتحركاتنا، وميولنا، وحتى حالتنا الصحية. ومع تقنيات مثل GPS وتطبيقات تتبع النشاط، يتحول الهاتف إلى جهاز مراقبة دائم. كذلك، تستخدم الكاميرات الذكية وتقنيات التعرف على الوجوه في العديد من المدن لتعزيز الأمن.

الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات يضيفان بعدًا جديدًا، حيث يتم جمع معلومات ضخمة عن الأفراد لتحليل سلوكهم والتنبؤ بتصرفاتهم. هذه التقنيات، رغم أنها تقدم مزايا، تُستخدم أحيانًا لتوجيه الإعلانات أو التحكم في الآراء والخيارات.

واحدة من أكثر التقنيات إثارة للجدل هي الرقائق الذكية، التي يمكن زرعها تحت الجلد لأداء وظائف مثل الدفع، فتح الأبواب، أو تخزين معلومات طبية. تعمل هذه الرقائق بتقنية RFID أو NFC، وتُفعَّل فقط عند اقترابها من قارئ معين. ورغم أنها تسهّل الحياة، إلا أن استخدامها دون إطار قانوني وأخلاقي قد يحولها إلى أداة مراقبة دقيقة.

أمثلة من الواقع، مثل النظام الاجتماعي في الصين، تُظهر كيف يمكن للتكنولوجيا أن تتحول إلى وسيلة تصنيف ومحاسبة، حيث يُقيَّم الأفراد بناءً على سلوكهم، ويُحرمون من خدمات أساسية إذا خالفوا المعايير الموضوعة.

المشكلة ليست في التكنولوجيا بحد ذاتها، بل في غياب الشفافية والضوابط. إذا لم يتم وضع قوانين تحمي الخصوصية وتحدد الاستخدام المشروع لهذه الأدوات، فإننا نواجه خطر تحول الوسائل الذكية إلى قيود رقمية تقيد حرية الإنسان وتتحكم في خياراته. لا يزال أمام المجتمعات فرصة للمطالبة بالشفافية، وفرض الضوابط، وضمان أن تبقى التكنولوجيا في خدمة الإنسان، لا وسيلة للهيمنة عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى