كتاب واصل

(الأطاوله قصة لا تنتهي)

نايف الخمري

(الأطاوله قصة لا تنتهي)

كنت مدعواً لزيارة قرية الأطاوله التاريخية بمنطقة الباحة هذه القرية الوادعة على ربى التاريخ والشموخ ، الدعوة كانت من الأستاذ أحمد شهوان ابن الصديق الراحل سالم شهوان الزهراني ـ رحمه الله ـ مؤسس نادي العين الرياضي الذي كان يحمل مشعل الرياضة فيما مضى ، كانت الدعوة عصراً ازدانت فيها السماء ببعض السحب المتناثرة مما زادت الكون ألقاً ومنظراً أخاذاً ، بدأ التململ واضحاً عليٍ في الذهاب لأنني تذكرت رحيل والده النبيل سالم شهوان وعلاقتنا العميقة ولكنني في الأخير ذهبت تلبية للدعوة الكريمة التي وصلتني ، وجدت شقيقه الأستاذ حسن شهوان الذي أستقبلني بفرح وكثير من الود واستضافني في مزرعة الراحل تلك المزرعة ذات الأشجار المتنوعة الوارفة الظلال تزينها بعض أشجار النخيل حيث الهدوء والسكينة حيث كانت المكان المفضل لقضاء أغلب وقته ـ رحمه الله ـ وحياني بحماس فهذا الرجل يتمتع بنقاء النفس وكثيراً من الكرم الفياض ، توقف الترحيب وانطلقت معه نبحث عن كثير من الذكريات وقال لي وهو يختزل كثيراً من الذكريات ـ الراحل ـ كان يهتم بهذا المكان جداً وقد جعل منتجات هذه المزرعة صدقة جارية فما أعظم هذا الزرع وهذه السقيا. وقال أنه كان يتردد عليه هنا الكثير من أصدقاؤه ومحبيه فقد كان حفياً بالناس، تلذذنا في جلستنا بأشهى الطيبات من خيرات المزرعة الموسمية المتنوعة المكتنزة بلذة الطعم والحجم.

بعد ذلك اتجهت إلى القرية التاريخية وكان المشهد بديعاً وتنسمت هواءها العليل وأنا أمتع ناظري بدقة البناء الهندسي الفريد لهذه الأماكن الجميلة واجترتني دواعي الأيام وشعرت بالزهو وأنا أطوف أرجاء القرية ، كنت أتفرس معالم القرية كان المكان يعج بالزائرين ويجتذب السياح الوافدين للمنطقة والزوار القادمين من القرى القريبة المجاورة ، حيث يتكرر هذا المشهد بروعته بشكل يومي خلال فترة الصيف حلقْتُ كثيراً بخيالي للوراء لعقود طويلة من الزمان واستعدت الذكريات القديمة تذكرت بيت جدي ومنازل قريتنا القديمة وأنا استعيد ذكريات حياتي التي عادت بي إلى الوراء وكيف كانت في يوم من الأيام تلك المنازل عامرة بأناس رحلوا عنا في ذلك الزمن ، تركوا أثراً جميلاً في المكان وتركوا أجمل الذكريات نذكرهم بها في كل حين وسوف تظل ذكراهم خالدة في نفوسنا إلى الأبد ، وهنا أحاول رسم صورة لشخوص ذلك الزمن القديم ، أكملت طوافي في القرية بحرية بين تلك ( الطرق ) المتعرجة برونقها الجميل حيث تكسوها العراقة والتي تفضي الى المدرسة القديمة التي كانت تسمى قديماً بالكتاتيب هذه المدرسة التي خرجَت طلاباً نُجباء متفوقين عندما كان المعلم هو الركيزة الأساسية في العملية التعليمية والتربوية وليس المبنى وبيت المشيخة الذي كان منبراً اجتماعيا تبلورت من داخله الكثير من القرارات والقضايا وحصن (دماس) الشامخ بجذوره الضاربة في عمق الزمن المجاور لبيت المشيخة والذي كان بمثابة مركزاً أمنياً مسانداً يقدم الحماية للقرية وكان يشكل صمام الأمان للقرية ، والمسجد القديم الذي تم تجديده ضمن مشروع ولي العهد لتطوير وترميم المساجد التاريخية وهذا المسجد الذي مازال محافظاً على هيكله وطابعه التراثي القديم ولم يفقد الهوية التي صمم عليها كثيراً فهو يُشكل بعداً تاريخياً ومعمارياً في هذه القرية وكذلك بعداً ثقافياً واجتماعياً نظراً لأهميته التاريخية والتراثية والمعمارية الأصيلة لعهود قديمة ، حيث تم تجديده تقريباً بنفس النمط المعماري القديم الذي يعتمد في بناءه على الحجارة والطين والخشب حيث روعي في ذلك التماشي مع البيئة المحيطة حسب النمط المعماري لمباني القرية التي تُشكل نسيج تاريخي قديم وذلك حفاظاً على هذا النمط . ثم توقفت في متحف الشملاني الذي كان يعج بالزوار وكانت وقفات متأنية لاجترار ذكريات الماضي ومشاهدة ذلك التراث القديم الذي أصبح إرث تاريخي قيمي ومجتمعي يعانقونه الزائرين، ففي كل ركن من أركان المتحف حكاية ووميض من الذكريات، هذه القرية كانت فيما مضى الثغر الباسم نظراً لموقعها الاستراتيجي وجمال الطبيعة التي تحيط بها من كل جانب ولوجود (سوق الربوع) الذي جعل منها مركزاً تجارياً هاماً حيث كان عصب حياتها وهو يعج بالحيوية وينبض بالحياة يجتذب الزائرين من القرى المجاورة والسابلة من القرى البعيدة.

هذه القرية العريقة هي لا تزال بحاجة لمزيد من الجهد فقط وقليل من التخطيط والإشراف المهني والتوجيه المجتمعي لتكون مكاناً جاذباً من خلال توفير كافة الخدمات والاهتمام بالبنى التحتية الضرورية، وسوف تكون هذه القرية الساحرة قبلة للزائرين في تحقيق تنميه ريفيه حقيقيه للمجتمع ولأنسان الريف بدعم الزراعة والثروة الحيوانية لتساهم في السياحة الريفية المتكاملة ضمن منظومة السياحة في المنطقة. كانت الجولة جميلة بكل المقاييس وقد أعطتني انطباعاً رائعاً عن هذا المكان الذي ينبض بالحياة خصوصاً وأنني التقيت ببعض الأصدقاء القدامى، انتهينا من جولتنا وغادرت المكان قاصداً سيارتي والشمس تسدل أستار خبائها وهي تعكس الغروب بجمالها البهيج وفي داخلي نشوة من الفرح المؤجل ..وكما قال شوقي في وصفه الشروق والغروب :
(فما للغروب يهيج الأسى ….. وكان الشروق لنا أي عيد)

وقد سعدت بهذا العمل الرائع في هذه القرية المفتونة بهوى السياحة فهنيئاً لأهلها بهذا النجاح لجهودهم الرائعة ولهم كل الحب والتقدير، والتحية لكافة الأيادي المخلصة التي وقفت وساهمت من مبدأ المسؤولية الاجتماعية لهذا العمل الكبير والله من وراء القصد …

آخر المشوار : ـ
شكراً للأستاذ مسفر الهرش من لجنة التنمية الاجتماعية بالأطاولة الذي أخجل تواضعنا بحسن الاستقبال وكرم الضيافة الأصيل وهنا تتزاحم العبارات فالشكر والتقدير والاحترام للأستاذ أحمد سالم شهوان صاحب الدعوة الكريمة الذي رافقني في تلك الزيارة وسط حفاوة وكرم مردداً عبارات الترحيب خلال جولتنا فقد غمرني بفيض عنايته ومحبته وسمو أخلاقه الرفيعة وكان يشرح لي كثيراً عن بعض التفاصيل الصغيرة، هذا الرجل الذي أخذ من صفات والده الشهامة والكرم فهو جسوراً ومحباً وكريماً. لقد احاطني بالحب والكرم ..

نايف الخمري
للتواصل / alkhamri3030@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى