ليس من حقك أن تسأل
د.خالد علي الغامدي اخصائي نفسي وخبير تربوي
أتعرف… ونحن نجلس الآن ونتحدث، قد نتبادل التحية والابتسامة وبعض الكلمات، لكن بين الكلمة والكلمة هناك خيط رفيع يفصل بين الود والفضول، وربما لا تدرك أن ليس كل ما يخطر في بالك يحق لك أن تسأل عنه. قد تظن أنك تسأل بدافع الاهتمام، لكن الفرق كبير بين الاهتمام الحقيقي والفضول المجرد، وبين السؤال البريء والتدخل فيما لا يعنيك.
قد تظن أن سؤالك بسيط: من أين جئت؟ إلى أين ستذهب؟ كم راتبك؟ كم لديك من الأبناء؟ لكنك لا تدري… ربما أنا جئت من مكان لا أحب أن يعرفه أحد، أو في طريقي لوجهة أفضل أن تبقى سرًا، أو ربما أمرّ بظرف يمنعني من الإجابة، فأضطر للكذب أو التهرب، لا لأنني أرغب في ذلك، بل لأنك دفعتني إلى زاوية ضيقة.
القوة الحقيقية ليست في أن تقول كل ما يخطر على بالك، ولا أن تفرض أسئلتك عليّ أو على غيري بحجة الصراحة أو قوة الشخصية، بل القوة في أن تمسك لسانك حين يجب الصمت، وتحترم حدودي كما تحب أن تُحترم حدودك. والحكمة ليست في أن تعرف كل شيء، بل في أن تحترم ما لا يجب أن تعرفه. ألم تسمع قول النبي ﷺ: “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”، وقول الإمام الشافعي: “إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا ألهمه السكوت”؟
ربما أنت لا تقصد الأذى، لكنك حين تطرح أسئلة تمس خصوصياتي، تزرع في نفسي ضيقًا، ومع الوقت قد أفقد الثقة فيك، ويصبح الحديث معك مرهقًا. أما الصمت، فليس ضعفًا كما قد تظن، بل هو حكمة وستر ووقار، يمنحك احترام الناس ويحفظ مكانتك بينهم، ويجعلهم يثقون بك لأنك تحفظ السر ولا تخوض فيما لا يعنيك. تذكّر ما قاله الإمام علي رضي الله عنه: “إذا تمّ العقل نقص الكلام”.
لكل إنسان مساحة خاصة لا يحق لأحد اقتحامها إلا بإذنه، وإن أردت أن تسأل، فاختر السؤال العام لا الشخصي، وأعطني حرية الإجابة أو الصمت دون أن تضعني في موقف حرج.
فكن أنت ذلك الشخص الذي أشعر معه بالأمان حين أتحدث، لا الذي يدفعني للاختباء خلف إجابات مزيفة. الحياة ليست تحقيقًا في خصوصيات الآخرين، بل هي فرصة لزرع الثقة لا الحواجز، ولنشر الود دون شروط