كتاب واصل

وترجل الفارس مرة أخرى ولكنها الخاتمة ” رحمه الله “

في يوم من أيام وطني الحبيب وفي ساعة متأخرة سمعت انينا فقمت من سريري خائفا قلقا ياترى من يبكي في مثل هذه الساعة المتأخرة .
تجولت في أطراف منزلي ودخلت على أولادي وزوجتي image
فإذا بالأمن مستتب والحمد لله وكل أبنائي يغطون في
سبات عميق .
تعجبت من البكاء الذي سمعته وقلت في نفسي كأني
اتوهم والصوت حديث نفس .
اتجهت إلى غرفتي لانام فإذا بالجوال أمامي فقلت في نفسي
بافتح الجوال واشوف وش آخر الأخبار .
واول ما فتحت الجوال وإذا بي أرى الرسائل تنهال علي
بالتعزية والكل يقول احسن الله عزائنا.
اللسان يعجز عن التعبير والكلمات تتردد في داخلي وياترى بماذا ابدأ وماذا اقول وعمن اتحدث ؟!
هل يعقل انه مات ولم يودعنا ؟!
هل خبر موته صحيح أم أن القنوات تبالغ في الخبر وأنه بخير
وسيعود لوطنه الذي ضحى من أجله ؟!
هل يعقل أن يغادر سعود ونحن في أزمات وحروب ؟!
هل يعقل أن يذهب الذي كان سدا منيعا في وجه الأعداء الذين يتربصون بالوطن من الداخل والخارج؟ !
هل سيتركنا سعود ويذهب بلا رجعة ؟!
ياترى أين نجد من يقف مكان سعود ويبذل كما بذل ؟!
أنا لا اعترض على قدر الله ولا اربط النصر بشخص ولكن سعود غير ولا نقول إلا مايرضي ربنا ” انا لله وانا اليه
راجعون ” .
عزائنا وكأن المفقود يخص الجميع ياترى من هو الفقيد ؟!
لقد كان الميت هو الفارس الذي ترجل قبل أشهر من عمله في وزارة الخارجية بعد مسيرة حافلة بالإنجازات.
ومن لا يحزن لفقدك يا بن فيصل وانت الاسد الذي وقف حاميا لبلاد الحرمين خاصة ولبلاد الإسلام عامة .
ومن لا يبكي لفقدك يا سعود وانت ولد الملك البطل الذي في مثل هذا اليوم كان له موقف مع الغرب يتذكره القاصي والداني .
من لا يحزن لفراقك يا حبيب الوطن وصاحب الشيم وقامع الفتن وحامي عرين الوطن .
من لا يبكي على صاحب الهمة ورجل المهمة .
من لا تدمع عينيه على فراقك وانت إلى آخر ايامك وانت ترد وتناقش وتجارب مع حاجتك للراحة .
من لا يحزن عليك و كل ما يتمتع به وطننا من أمن وأمان بعد الله هو بسبب المبادئ السامية والأخلاق العالية .
أتذكر كلمته الاخيره أمام مجلس الشورى وهو يقول رحمه الله ” حالتي الصحية أشبه بحالة الأمة العربية ”
سعود ومن لا يعرف سعود كل حياته بذل وعطاء
كان لآخر لحظة من حياته يتكلم عن الوطن وعن محبته
والتضحية من أجله ، سافر في كل أنحاء العالم ليدافع عن قضايا الأمة العربية والإسلامية .
بكى على موت ملك الإنسانية الملك عبدالله رحمه الله وكأنك تقول قريبا نلتقي يا غالي وحقق الله رجاءك .
مات فقيد الوطن العربي أقدم وزير خارجية في العالم .
سعود الفيصل الأب الروحي لوطن جميل ولامة منهكة
وعالم عربي مشتت .
سعود كان اليد القوية في الاجتماعات والمؤتمرات فلا تجد من يستطيع أن يتكلم أو يوجه اللوم لأحد ظلما وعدوانا وسعود موجود فقد كان له هيبة في نفوس الجميع لأنه صادق في كلماته لا يحابي أحد على حساب الحق وإظهار ه .
يتميز الأميربالأخلاق العالية، والتواضع، والأدب الجم، والتهذيب الكبير، والاسلوب الراقي في التعامل مع موظفيه وزملائه ومعارفه والناس كافة .
كانت قضايا سوريا وفلسطين والعراق واليمن وليبيا ومصر كانت هي الشغل الشاغل لذلك الفارس الذي كان يعطي بلاحدود ويتفاني في خدمة الأمة العربية والإسلامية.
سعود ربط مرضه بحالة الأمة العربية وكأنه يرسل رسالة للعالم العربي أن دوري هنا انتهى وقد جاء دوركم لتكملوا مسيرته .
ربط حالته وهو يعاني من المرض بحالة الأمة العربية ليبين لنا حقيقة الحياة التي كان يعيشها والهم الذي كان يحمله
والهدف الذي يسعى لتحقيقه .
مدحه نظراؤه في كل أنحاء العالم، ووصفوه بكيسنجر العرب والمنقذ والحكيم. كما وصفه وزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بفقيه السياسة والدبلوماسية، وأنه سيبقى في ذاكرتهم معلما تاريخيا بارزا.
ظل الفيصل ربانا ماهرا لخارجية بلاده بعد أن تسلم السفينة من والده الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز في 25 مارس (آذار) عام 1975. تمسك الأمير سعود بمقود السفينة جيدا وقادها في أمواج أزمات المنطقة والعالم دون أن يتخذ يوما خطوة رعناء لا تعبر عن حلم وإدراك.

شكل الفيصل طيلة أربعة عقود بنية صلبة للسياسة السعودية، لم تخترقها أزمات المنطقة، ولم تثقبها المشاغبات الإقليمية، ظلت البلاد مرتهنة لمبادئها، وساندت قضايا العرب والمسلمين وفي طليعتها قضية فلسطين ورفضت الاعتراف بإسرائيل، وفتحت علاقاتها مع دول العالم تحت بند الاحترام المتبادل والاستقلال السياسي، ولم تلعب الرياض يوما على وتر العواطف واستمر خطابها عقلانيا تجاه الأحداث.

إنه سعود الفيصل القلب النابض للمملكة العربية السعودية
قدم حياته في خدمة دينه ووطنه وأمته وهاهو الآن ينتقل
لربه فلاتنسوه من الدعاء أن يتغمده الله بواسع رحمته
وان يلهم ولاة أمرنا والشعب السعودي الصبر على فقده.

بقلم المستشار : عبدالله الحارثي مدير تحرير واصل بمحافظة الطائف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى