كتاب واصل

أين أمك ؟!

بقلم / مسفر العرجاني

لما للوالدين من حاجةٍ إلى الرعايةِ في الكِبر فقد حان الوقت لقضاء جزء بسيط من ديون الرحمة والعطف والمتاعب  وغيرها كثير تلك الديون التي لن تقضيها كلها مهما كانت عنايتك بوالديك أو حبك المفرط لهما أو قضاء كل وقتك في خدمتهما !
وأي قضاء يستطيع أن يأتي على كل تلك الديون؟!
قال تعالى ( وقضى ربك ألّا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا )
لأهمية بر الوالدين ذكرها الله تعالى بعد ذكر توحيده فجاءت بعده مباشرةً في هذه الآية الكريمة في كتاب الله .
وبما أن الأم هي الإنسانة الضعيفة التي لا تستطع أن تخدم نفسها بالاستقلال لكونها امرأة ولحاجتها إلى من يرعى شؤونها ويقوي عزيمتها ويسعدها ويساندها فيما تحتاجه من شؤون الحياة بالذات ابنائها، فقد دعت الحاجة الى خدمتها وشرع الدين الحنيف رعايتها والاشراف على خدمتها بل والتنافس في ذلك .

وبمقياس بسيط يقيس مدى تقصيرك في حق والدتك أو إحسانك إليها، بإمكاني فقط أن أقول لك : ” أين أمّك ؟ “
لاتظن أن أداة الاستفهام ” أين ” هي استفهام عن المكان السكني .. فقط، مع أنه المسؤول عنه الأول في استذكار والدتك، ولكن أيضًا يجب أن يكون هناك حيّز مكاني كبير وجهة كبيرة في احساسك وفي قلبك وعقلك وعاطفتك واهتمامك كلها تخصّ والدتك ..
كل الاشخاص يأتون في مراتب بعد الأم ما دامت على قيد الحياة !
و بعد الوفاة أيضًا لها اهتمام قبل جميع الأموات ، يالها من إنسانةٍ تُجهد القلم وتحيّره ماذا يكتب ؟! وأين يتجّه ليدير الكلمات والأحرف بعد الأحرف ؟! وهو يرى لها في كل جهة واجب و شوق و احساس أيّ كاتبٍ مفعمٌ بالتقصير ولو قضى عمره كله خادمًا عند قدميها !

الكثير من الأبناء الكبار بعد زواجهم يوكلون رعاية أمهم إلى أصغر الأبناء الذي ينال نصيبه من أهمالهم كما نالت أمه ذلك، فيميل بعض الابناء الصغار إلى الصحبة السيئة، ولا يوكل إليه أبسط أمور رعاية المنزل، وهم يرونه مؤهلًا لرعاية الانسانة التي تكون الجنة تحت قدميها !
ليس ذلك تأهيلًا في الحقيقة إنما هو هروبًا من رعاية الإنسانة التي مهما كانت ترى عليك من الملاحظات او التقصير فهي تخفي ذلك في صدرها وتلتمس لك الاعذار عند انتقاد اي أحد لتقصيرك .

بعد إجابتك على السؤال : أين أمّك ؟ قس مدى رضاك عن نفسك و أطع تأنيب الضمير و أرضه بما يوفقك الله تعالى له ، فتأنيب الضمير الطاهر ليس مجرد وساوس شيطانية تشغلك عن زوجتك و أبنائك وعملك، إن الخطأ يكمن في محاولة نسيانك لذلك التأنيب الكامن في أعماقك.
و إن نفعتك هذه الذكرى فإنك إن شاء الله من المؤمنين قال تعالى ( وذكّر فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين ) والإيمان مرتبة فوق الإسلام فبقيت الثالثة وهي أعلاها ” الإحسان ” فأحسن إلى أمك أحسن الله إليك .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى