مساحة حرة

{رمضان الذي اشتقتُ إليه}

كتبه : عيد الميموني

سأحدثكم عن رمضان، ولكن ليس رمضان الذي تعرفونه الآن، أو ربما الذي أعرفه أنا الآن.

لن أتحدث عن رمضان العبادة، واشتياقنا للمساجد التي حُرمنا من الصلاة فيها بسبب الوباء..

بل حديثي عن رمضان قبل أكثر من خمس وثلاثين سنة.
رمضان الذي كانت تختلط فيه الأرواح، وتألف القلوب القلوب.

رمضان الذي يبتهج بها الأطفال قبل الكبار.

ربما لن يفهم بعض أبناء هذا الجيل ما أقول، ولكني لا أشك أن ذكرياتي التي سأنثرها هنا ستحرك شيئا في وجدان أبناء جيلي خاصة من أهل جدة (أم الرخا والشدة).

ذكرياتنا مع العم “أبو عبدو” الذي كنا نتسابق (كل عصرية) إلى دكانه الصغير لشراء السمبوسة التي لا تخلوا منها مائدة الإفطار. (أبو عبدو ذلك اليماني الذي أبصرته بيننا منذ مولدي يرحل حيثما نرحل وينزل أينما ننزل) رحمه الله.

ذكرياتنا في تلك الحارة الشعبية التي إذا دخل رمضان فُتِّحت أبوابها فلا تجد بابا مغلقا.. كنا صغارا ندخل مع أي باب ولا نرجع إلا بعد أن ملأنا الفم واليدين من مطبخ ذلك البيت لتنادينا صاحبته وتعطينا زيادة على ما أخذنا.

ذكرياتنا مع طاولة الفرفيرة التي نجعلها بين البيوت ويلعب بها كل أبناء الحارة صغارا وكبارا في فرح وبهجة وسرور.
ذكرياتنا مع دورية الإفطار التي تدور بين البيوت فلا تكاد تُفرش سفر الإفطار في البيت الواحد إلا مرة أو مرتين طوال شهر رمضان وفيها من الذكريات ما يطول ذكره.

ذكرياتنا مع جامعنا ومائدة الإفطار فيه تمتد على جنباته الخارجية ونحن نتسابق إليه لنفوز بالمشاركة في تحضير إفطار الصائم الذي فيه طبق أو أطباق من كل بيت.

ذكرياتي مع ذلك الشاب الغريب!! شاب ليس كمن هم في مثل سنه، لا يجلس على الرصيف لتبادل الحديث مع أقرانه، لا يلعب الكرة في الحي كما يفعل أسنانه.. ومع ذلك كنت أحبه وأحترمه ولا أعلم السبب.. إلا أنه اختفى فترة وسألت عنه فقيل: تخرج من الثانوي وسافر إلى القصيم عند شيخ اسمه محمد العثيمين والتحق بجامعة الإمام هناك( جامعة القصيم لاحقا) ليرجع بعد سنوات ولكنه رجع من هناك يحمل اسم فضيلة الشيخ الفقيه صالح بن مصلح المرعشي، عندها فقط علمت لماذا هو مختلف عن الشباب الذين في مثل عمره.

ذكرياتي مع جامع الرضا الذي كنت مؤذنا فيه وأنا ابن 18 عاما لأخطب فيه أول خطبة في حياتي ( خطبة عيد الأضحى سنة 1413) وأنا ابن 20 عاما.. وكان من بين الحضور فضيلة الشيخ صالح المرعشي الذي أثنى على خطبتي ثناء عظيما مع علمي أن ذلك الثناء تشجيعا منه وليس لبلاغة الخطبة ولا لفصاحة الخطيب.

وتنتهي ذكرياتي الرمضانية الجميلة في هذا العام عندما غادرت جدة إلى مدينة بعيدة مغمورة منتقلا من حياة إلى حياة.

في رمضان هذا العام أعيش شوقا لم يسبق أن عشته في السنوات الماضية لهذه الذكريات الرمضانية.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى