متنوعة

نقد أعمال الفنانه التشكيليه سوزان الخضر للناقده التشكيليه خيره جليل

جدة – واصل :

ترتبط عناصر العمل الفني ارتباطًا وثيقًا لا سبيل إلى انفصاله،نظرا لارتباط المادة بالصورة، وعند دراستنا للصورة أو الشكل لا نستطيع أن نجعلها منفصلة عن باقي العناصر المكونة “المادة، التعبير، المحتوى”، إلا في الذهن أو أثناء الدراسة والتحليل للإجابة على مجموعة من الإشكاليات. وفي دراستي لأعمالها التشكيلية سوزان الخضر و تتبع مسارها الفني منذ بداية مساره إلى الآن أقف عند مجموعة من الإشكاليات بشكل مفصل كالتالي : ماهية المدرسة التشكيلية التي يمكن أن نصنف فيها أعمال الفنانة التشكيلية سوزان الخضر ؟ من أين تستلهم مواضيع لوحاتها وما هي الفلسفة الجمالية التي حركت إبداعها ؟ كيف تعاملت مع المنجز التشكيلي من حيث الفضاء والخلفية ؟ كيف تعاملت مع الكتلة اللونية والضوء والتوزيع لهما على منشئها الفني ؟ ما هي القيمة الفنية التي يمكن أن تشكل إضافة فنية لها كبصمة شخصية لها في التشكيل السعودي خاصة والعربي عامة ؟

إذا كانت الصورة عند الفلاسفة مقابلة للمادة، وهى ما يتميز به الشيء، فإذا كان في الخارج كانت صورته خارجية، وإذا كان في الذهن كانت صورته ذهنية.فإن التصور اليوناني القديم يرى أن الفن هو إضفاء صورة على “هيولى” ، أو هو صنع شيء ما.فإن “جيروم ستولنيتز” يرى أن الشكل هو القيمة النفيسة للفن والمميزة له. وأن الشكل يوضّح وُيثْرى وينظم التعقيد، ويوحّد العناصر البنائية للعمل الفني.وأن العناصر التي يستخدمها الفنان تُرتب على نحو يجعلها ذات قيمة فنية عميقة ،وأن الشكل يضفى على العمل الفني ذلك الطابع الكلى، والاكتمال الذاتي الذي يجعله يبرز من بين بقية جوانب التجربة ويبدو عالما قائما بذاته ،فإنني اليوم من خلال وقوفي أمام أعمال الفنانة السعودية سوزان الخضر بتأني يجعلني أقف أمام أشكال فنية متعددة من لوحات ومنحوتات وديكورات والتي تعبر عن غزارة إبداعها الفني ،هذا الفن الذي يسكنها حتى النخاع وفي ابسط لحظات يومها المعيشي وبأدق التفاصيل ، فقررت تناول أعمالها التشكيلية تاركة أعمال الديكور والنحت إلى دراسة مقبلة. بتتبعي لمسارها التشكيلي لاحظت أنها تدرجت في التعبير عن أفكارها من المدرسة الواقعية إلى المدرسة الانطباعية لتنهي أعمالها مؤخرا بالتعبير عن فنها بين مدرستين مختلفتين في عمل واحد أحيانا وهو المدرسة الانطباعية والتجريدية وأحيانا أخرى المزج بين التكعيبية والفطرية . وهذا يدل على حيرة الفنانة وانشغالها بقضايا تشكيلية متداخلة فيما بينها . بل الأكثر من ذلك أنها أحيانا تختار التعبير في المدرسة التجريدية لتؤثث لوحاتها بأشكال إيحائية تتداخل فيما بينها كأشرطة ورقية تم طيها بحنكة ودقة مما أعطى مظهرا تركيبيا للصورة التشكيلية المحصل عليها. و أحيانا أخرى هناك أجساد حالمة تنبثق من وسط الكتلة اللونية الغامقة وكأنها تولد من العدم لتمتد نحو اللانهاية تاركة العنان لمخيلة المتلقي وهي دعوة صريحة لإقحام المتلقي في إنهاء الصورة التشكيلية النهائية للمنجز الفني.

الفنانة سوزان لامست إشكالية مهمة أرهقت العديد من الفلاسفة في التعامل معها كقضية فنية رئيسية في المنجز التشكيلي ، ألا وهي إشكالية الشكل الفني كمنجز قائم بحد ذاته . حيث أن القاموس – في رأي “هربرت ريد”- يقدّم معنى الشكل على أنه الهيئـة أو ترتيب الأشياء، جانب مرئي، وليس شكل عمل فني بأكثر من هيئته وترتيب أجزائه أو جانبه المرئي. فنجد شيئا حالما كأن هناك جزءان أو أكثر مجتمعين مع بعضهما لكي يصنعوا نسقاً مرئيا كما لامست المفهوم لدى “كانط” الذي رأى أن الشكل هو الذي يحدد الأثر الفني ويعينه. كما أن للأثر الفني وحدة طبيعية نهائية داخلية، وهى تؤلف كلا واحدا، وهذه الخاصية تميزها عن كل شيء آخر وتستثير الانفعال الجمالي، وهذه الخاصية مستقلة عن المحتوى. فنجد أن الأشكال الفنية اختلفت وتنوعت بتنوع السند الذي اختارت الفنانة أن تنفد عليه منجزها الفني فتنوعت من لوحات تشكيلية من خشب وقماش مهيأة بدقة من أثواب و وورق إلى قنينات ديكور وحقائب ورقية وأحجار حولتها إلى أشكال فنية زاهية بألوان تدب فيها الحياة فنراها خرجت بالتشكيل في الفلسفة الجمالية المتعارف عليها إلى أشكال ليست فقط لها إضافة قيمة جمالية بل إضافة قيمة استعماليه نفعية لإغراض يومية وضرورية في حياتنا اليومية . بذلك نرى أن الشكل لديها ينطوي على تنظيم للدلالة التعبيرية. إذْ أن تنظيم التعبير لا يؤدى فقط إلى زيادة الدلالة الفكرية للعمل، بل إنه يضفى على العمل وحدة أيضا. بل أن تنظيم عناصر الوسيط المادي الذي تتضمنه اللوحة لديها حقق الارتباط المتبادل بينها. بما في ذلك من عناصر الوسيط : الألوان والخطوط والنقط والتعرجات البسيطة والمعقدة والمُركبة ..الخ فاستلهمت ألوانها الحارة والمضيئة من بيئتها بشبه الجزيرة العربية ومن بيئتها الدينية لنرى آيات قرآنية تنبعث من وسط ألوان غامقة وداكنة ولهذا بعد فلسفي ديني عميق . فإذا كان الفن لديها قد اخرج الكليغرافية العربية من الثقافة الشفهية إلى الثقافة المكتوبة فان القران الكريم بدوره اخرج العقل العربي من غياهب الجهل إلى النور ومن عصور الجاهلية إلى العصور الإسلامية التي تدعو بشكل صريح إلى استعمال العقل في التعبد والوقوف عند ماهو جسدي ملموس للتأمل لاستنباط ما هو عقلي تجريدي في اطار الإيمان الراسخ بالعظمة الإلهية . فأصبح الشكل لديها لفظ يدل علـى الطريقة التي تتخذ بها هذه العناصر موضعها في العمل كلّ بالنسبة إلى الآخر، بل أن التشكيلية سوزان في طريقة تعاملها رجعت إلى مقولة هربرت ريد” التي تضع شروط توافرها، حتى يصبح شهادة للشكل بأنه جيد.ويرى أنها هي تلك الشروط التي تمنح المسرة، ليس فقط لحاسة واحدة في وقت واحد، بل وأيضا لحاستين أو أكثر تعمل معا، وأخيرا لذلك الخزّان الحاوي لحواسنا جميعا الذي هو عقلنا .والمتأمل للأشكال الفنية لسوزان يجد نفسه مشدودا بقوة إليها بسر خفي يأسر المتلقي ليعود إليها مرات عديدة لا إراديا ليتأملها .وهذا يدل على أنها تعاملت بسلاسة مع الشكل الفني ولم تفرغه من محتواه الدلالي بل جعلته أكثر عمقا . كما تؤثث رسوما ت الجياد واللغة العربية فضاءاتها التشكيلية بخلفيات لونية قوية ، تجعل انبثاق هذه الأشكال من وسطها له بعد فلسفي وفني وفكري . فاللغة العربية والجياد هي الدعامة الرئيسية التي اعتمدت عليها الدولة الإسلامية في عهد الرسول والخلفاء الراشدون لنشر الدعوة الإسلامية ، فهذا موروث لا يمكن إهماله وإغفاله في الموروث الثقافي للتشكيلية سوزان الخضر كسعودية ابنة شبه الجزيرة العربية. كما أن الانتقال من فضاءات تشكيلية تجريدية تؤثتها كليغرافية عربية وصور محتشمة لجياد عربية مجنحة كالبراق، والتي في بعض الأحيان تتورى وراء الألوان تاركة المجال لألوان صاخبة بضوئها إلى لوحات تؤثتها أبواب خشبية بألوان خضراء تحيلنا إلى الاجتياح العمراني للبيئة الصحراوية من جهة ،والى الأماكن المقدسة وأهميتها في المعتقد الإسلامي العربي من جهة ثانية .

إن نمط عيش الفنانة سوزان وتنقلها بين السعودية ودول العالم جعلها تدخل في علاقة مباشرة مع مختلف الحضارات والبنيات الفكرية العالمية ، بل تدخل مباشرة في سياق العالم الرقمي والثورة التكنولوجية ، مما جعلها أكثر انفتاحا فكريا على ثقافة التسامح وحوار الأديان والثقافات . لكن أكثر تشبثا بدينها واعتزازا به في أعمالها الفنية. و رغم هذا الانفتاح على العالمية عملا وتنقلا إلا أنها تحس بقمة الاغتراب الذاتي ، كأنها في غابة يسكنها أشخاص بدائيين المظهر وتنعدم بها لغة الحوار المباشر فيما بينهم . إنها تعبر في إحدى لوحاتها وتصرح بانعدام الحوار الاجتماعي في هذه المجتمعات التي غابت فيها العلاقات الإنسانية المباشر والدفء الأسري، ورسمت الأشخاص بمعالم إنسانية بدائية وارتباطهم بهواتفهم النقالة كارتباط الطفل بأمه بالحبل السري .وهذا يعني في حد ذاته اغتراب وعدم الاستقلالية الإنسان المعاصر الذي أضحى عبدا لوسائل التواصل الحديثة و في قمة العزلة ، بل ذهبت إلى حد رسم كل كائن بشري بجسم اسود شبه عاري ، وهذا يعني التفسخ الأخلاقي في العالم الرقمي ليصبح الأفراد مجرد ظلال لأشخاص مجهولين الملامح والروح .فكل واحد يغلق على نفسه عالمه الرقمي ويتعرى من كل ما يمكن أن يربطه بالعالم الإنساني الواضح والمباشر.فأصبحت توجهه الموجات الالكترونية فقط دون الاهتمام بالمظاهر الإنسانية الحقيقية الملموسة في ارض الواقع ، وما هذه اللوحة إلا إحدى همومها اليومية وهموم المجتمعات العالمية ككل. وهي بذلك تدق ناقوس خطر الاستلاب الذاتي والروحي أمام التكنولوجية الحديثة التي حولت الحياة إلى غابة بشرية تفتقر إلى ابسط ملامح الحياة الإنسانية.

في تعامل الفنانة مع الألوان نرى أنها تتحكم في الكتلة اللونية وتحركها حسب أضواء أفكارها وليس حسب مصدر الضوء الطبيعي .ألوانها تختلف دراجة قتامتها أو انفتاحها حسب المواضيع التي تريد معالجتها في لوحاتها، نلمس أن أعمالها فيها لمسة من لمسات الفنان العالمي شكال بالمزج بين الرسم التصويري وبعض جوانب الطبيعة في بعض الأعمال.

ضربات الفرشاة لدى سوزان تختلف قوتها حسب انفعالاتها النفسية ، ففي بعض الأعمال المترجمة لأفكارها نلاحظ قوة الضربات وعنفها بل استعمال وسائل حادة لرسم بعض التموجات داخل الألوان لتترجم الموجات الالكترونية أو موجات الموضة …. فتظهر على سطح الأعمال كالندوب البارزة أو الخدوش، وهي فعلا تمثل خدوش نفسية الفنانة الغير راضية عنها في المجتمعات الغربية والعربية على حد سواء كتعدد أقنعة الشخص الواحد في التعامل اليومي ، كالنفاق والرياء و….في العلاقات الإنسانية ليومية . وفي بعض الأعمال الفنية الأخرى تكون خفيفة في مداعبة الألوان التي تعج بالحركة والدفء والتدرج .

عموما إن المتأمل لأعمال سوزان يرى أنها أعمال تعج بالحركية والانفعالات النفسية والأفكار المعاصرة والكثير من التعابر في مجال اللغة التشكيلية ، وان إبداعاتها تطورت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة من القيمة الجمالية البسيطة إلى قيمة الجمال والأخلاق والقيم الملامسة لقضايا الفلسفة المعاصرة. كما تعبر عن حركيتها وحيرتها في البحث المستمر عن أشياء جديدة لتنزلها في لوحاتها بالساحة الفنية بتطويع المادة التشكيلية في يدها، مما يعبر عن طاقتها الإبداعية الكبيرة و بحثها في المجال التشكيلي شبيه بالبحث في الاشتقاق اللغوي وأصول الكلمات في اللغة التشكيلية السعودية فهي بذلك تؤسس فلولوجيا التشكيل السعودي بتاء التأنيث الساكنة .,,,,,,الناقدة خيرة جليل

. ” جون ديوى”: الفن خبرة – ترجمة زكريا إبراهيم – مراجعة زكى نجيب محمود – ( دار النهضة العربية – بالاشتراك مع مؤسسة فرنكلين) – (القاهرة – بيروت ) سبتمبر 1963.

“هربرت ريد”: التربية عن طريق الفنّ – ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد – مراجعة مصطفى طه حبيب – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة – 1996..

جيروم ستولنيتز “: النقد الفني – دراسة جمالية وفلسفية – ترجمة فؤاد زكريا – الهيئة المصرية العامة للكتاب – الطبعة الثانية – القاهرة – 1980 .

انظر صليبا، جميل: المعجم الفلسفي – جـ1 – دار الكتاب اللبناني – الطبعة الأولى – بيروت – 1971.

“هريرت ريد” معنى الفن – ترجمة سامي خشبة – مراجعة مصطفى حبيب – الهيئة – المصرية العامة للكتاب القاهرة – 1998 –

هنرى لوفافر” : في علم الجمال – ترجمة محمد عيتاني – دار المعجم العربي – الطبعة الأولى – بيروت 1954 .ا.

*9 Croce, Bendetto: The Essence of Aesthetic – Translated by Douglas Ainslie – The Arden Liberary, 1978.

“ارنست فيشر”: ضرورة الفن – ترجمة أسعد حليم – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1971 .

لدُّكتور بلقَاسم حُسَيْنيّ منتدى الدُّكتور بلقَاسم حُسَيْنيّ موضوع: مفهوم الفيلولوجيا

“عبد الرحمن بدوي”: فلسفة الجمال والفن عند هيجل – دار الشروق – الطبعة الأولى – القاهرة – 1996 .

*1 ” جون ديوى”: الفن خبرة – ترجمة زكريا إبراهيم – مراجعة زكى نجيب محمود – ( دار النهضة العربية – بالاشتراك مع مؤسسة فرنكلين) – (القاهرة – بيروت ) سبتمبر 1963.

*2 “هربرت ريد”: التربية عن طريق الفنّ – ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد – مراجعة مصطفى طه حبيب – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة – 1996..

*3 ” جيروم ستولنيتز “: النقد الفني – دراسة جمالية وفلسفية – ترجمة فؤاد زكريا – الهيئة المصرية العامة للكتاب – الطبعة الثانية – القاهرة – 1980 .

*4 انظر صليبا، جميل: المعجم الفلسفي – جـ1 – دار الكتاب اللبناني – الطبعة الأولى – بيروت – 1971.

*5 “هريرت ريد” معنى الفن – ترجمة سامي خشبة – مراجعة مصطفى حبيب – الهيئة – المصرية العامة للكتاب القاهرة – 1998 –

*6 “هنرى لوفافر” : في علم الجمال – ترجمة محمد عيتاني – دار المعجم العربي – الطبعة الأولى – بيروت 1954

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى