كتاب واصل

إيران والحج : التاريخ يعيد نفسه

image
أحمد بن راشد بن سعيّد

الدعوة الإيرانية إلى تدويل الحج ليست جديدة، وليست بدعاً من السلوك الصفوي. والحملة التي تخوضها إيران ضدّ السعودية سعياً منها إلى انتزاع حقها في إدارة الأماكن المقدسة خاضتها من قبل ضد الدولة العثمانية، وللهدف نفسه. خلال القرن السادس عشر تحالف الشيعة الصفويون (الذي أسّسوا دولتهم مطلع القرن) مع الصليبيين الأوربيين، من أجل الوقوف صفاً واحداً ضد الدولة العثمانية السنيّة، وقد كشفت المراسلات بين الشاه إسماعيل الصفوي وملك البرتغال، البوكيرك، تفاهمات لانتزاع السيطرة العثمانية على مكة والمدينة، منها رسالة بعثها البوكيرك إلى إسماعيل جاء فيها: «أقدّر لك احترامك للمسيحيين في بلادك، وأعرض عليك الأسطول والجند والأسلحة لاستخدامها ضد قلاع الترك في الهند، وإذا أردت أن تنقضّ على بلاد العرب، أو أن تهاجم مكة، ستجدني بجانبك…أمام جدّة، أو في عدن أو في البحرين أو في القطيف..».

وفي هذه الأيام، وبعد منع إيران مواطنيها من الحج لأسباب تتعلق بإصرارها على مطالب تشوّه قدسيّة المناسك، وتنتقص من السيادة السعودية، دعا المرشد الإيراني، خامنئي، شعبه إلى حجّ كربلاء بدلاً من البيت الحرام، فتدفّق على الفور مليون إيراني إلى كربلاء، ويعتقد الشيعة أنّ «زيارة الحسين» في يوم عرفة تعدل ألف حجّة. ولم يأتِ خامنئي بجديد، فقد زعم صاحب كتاب «بحار الأنوار» أن جعفر الصادق قال: «لو أنّي حدّثتكم بفضل زيارته (قبر الحسين)، لتركتم الحجّ..وما حجّ منكم أحد». هذا العمل أيضاً ليس استثناءً من السلوك الصفوي. فقد حاول الشاه عباس (1587-1648) دفع الإيرانيين إلى حجّ مدينة مشهد الإيرانية التي تضم «مقام» الرضا، أحد الأئمة المعصومين عند الشيعة، بدلاً من حجّ المسجد الحرام. ولكي يضرب مثلاً، فقد سار من أصفهان إلى مشهد على قدميه، قاطعاً 1,200 كيلومتر خلال 28 يوماً، وبقي فيها 3 أشهر يعمل مع آخرين في خدمة «المقام»، والمساعدة في البناء. كان عباس يحقد على العثمانيين، كما يحقد حفَدَتُه اليوم على السعوديين، ويعتقد أن الواجب عدم السفر إلى مكة عبر الأراضي العثمانية لكي لا يُضطرّ الشيعي إلى دفع رسوم العبور للدولة العليّة. ولم يكتف عباس بذلك، بل حرّض قبائل موالية له على قطع طريق الحجاج القادمين من آسيا عبر فارس والعراق، وسلْب أموالهم، وانتهاك أعراضهم، وقتلهم، وهو الشيئ نفسه الذي يتّبعه الصفويون الجدد حذو القذّة بالقذّة.
هل تذكرون الزعيق في وسائط سعودية عن وجود تيارين في النظام الإيراني، أحدهما «محافظ» والآخر «إصلاحي»؟ ماذا قال الرئيس الإيراني، روحاني، المصنّف «حمامة» بحسب دعاية التضليل؟ أدلى بتصريح للتلفزيون الإيراني وصف فيه «ممارسات» السعودية في الحج بأنها «صدّ عن سبيل الله» و «زعزعة للاستقرار…تلبية لمطالب الكيان الصهيوني». ما الفرق بين هذا الخطاب وخطاب «المتشدد» خامنئي الذي وصف السعودية بـ «الشجرة الملعونة» التي أنبتت «الجماعات التكفيرية»؟
الحج ليس مهمّاً في العقيدة الشيعية الصفوية إلا بقدر ما يحقق أهدافها في الهيمنة والنفوذ. الإصرار الإيراني منذ مجيء الخميني عام 1979 على حق الحجاج الإيرانيين في التظاهر أثناء أداء المناسك من أجل «البراءة من المشركين» ليس إلا توظيفاً سياسياً يُراد به صرف الأنظار عن حقيقة الحج، وتحويله إلى مناسبة لترويج الدعاية الإيرانية. الباحث الشيعي، أحمد الكاتب، ينقل عن الخميني قوله إن الحكومة تستطيع أن «تمنع الحج مؤقتاً»، عندما يتناقض أداؤه «مع مصالح البلد الإسلامي».
دعوة إيران إلى «تدويل الحج» ليست جديدة إذن، ولن تكون الأخيرة، فهي قديمة قِدَم العداء الصفوي للإسلام، وقد أحسنت السعودية صنعاً برفضها المطالب الإيرانية في الحج؛ لأن خدمة الحرمين تعني أيضاً حماية المشاعر المقدّسة ممّا يثير الفتنة أو يروّج الشرك. بقي أن تحشد الرياض مواقف البلدان الإسلامية إلى جانبها، وتُعيد مدّ الجسور مع القوى والجماعات السنيّة، وتطلق معركة معلوماتية تفنّد الدعاية الإيرانية بوصفها باطلاً يُراد به باطل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى