كتاب واصل

(خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ )

777777777

الهدوء الذي يمتاز بالروحانية والصلاة و رفع أَكُفٌّ الدعاء ، اللحَظة التي ينتظرها الجميع ، الوقت الذي يُعد على أطراف الأصابع ، الخٌشوع المُذهل إلى حد البٌكاء ، والنفس التي تطلب لابد أنها تُريد الاستجابة من رب الأرض والسماوات، الحمدلله الذي يسبق لحظات تلك الانتظار ، أن لك الحمد يا الله إلى هذه لحظة ، ولك الحمد حين تتفضل علينا بإنتظار ليلة شريفة كليلة القدر ، ولليلة القدر التي ذكرها الله في مُحكم كتابة قائلاً {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ . سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر : 1-5]. فأي فضل وأي شريف يتشرف بهِ ابن ادم حين تكون لهٌ ليلة يقومها تَعدل ألف شهر ، من إستغل تلك الفرصة فقد ربح ،فقد أعطى الدينا قيود الهم والوجع ، وتنفس بأنفاس الأعمال الصالحة ،الله أكبر الله أكبر حين يقتصر الحديث عن الشكر، الله أكبر الله أكبر حين تتٌوق لهذه ليلة النفٌوس، الله أكبر الله أكبر كل ما شُعرنا بأعمالنا النقص ، الله أكبر الله أكبر عدد من سجد وتاب و أعلن لله أنه أوَّاب ، الشرف كل الشرف لبني البشر فهذه النعمة التي لا يدركُها من بالله قد كفر، وفضائل ليلة القدر كثيرة وعظيمة، من حُرم خيرها فهو المحروم حقًّا، ومن وفقه الله عزَّ وجلَّ لقيامها فهو الفائز السَّعيد، ومن فضائل ليلة القدر أنَّها ليلة مباركة نزل فيها القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم ؛ قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان: 3]، وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]، القدر فيها تكتب الآجال والمقادير؛ قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4].
وعن ربيعة بن كلثوم قال: “سأل رجلٌ الحسن ونحن عنده، فقال: يا أبا سعيد، أرأيت ليلة القدر؟ أفي كل رمضان هي؟ قال: إي والله الذي لا إله إلا هو، إنَّها لفي كل شهر رمضان، إنها ليلة يفرق فيها كل أمر حكيم، فيها يقضي الله عزَّ وجلَّ كل خلق وأجل وعمل ورزق إلى مثلها” (الإبانة لابن بطة).
وعن مجاهد في قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39]، قال: إنَّ الله ينزل كلَّ شيء في ليلة القَدْر، فيمحو ما يشاء من المقادير والآجال والأرزاق، إلاَّ الشقاء والسَّعادة، فإنَّه ثابت العمل فيها خير من عمل ألف شهر؛ قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر :3]، القدر أنَّ قيام ليلها سبب لغفران الذنوب ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله: «من قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه »(متفق عليه).
فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ خَرَجَ لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلاحَى رَجُلانِ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَقَالَ: «إِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالتَمِسُوهَا فِي التِّسْعِ وَالسَّبْعِ وَالخَمْسِ» ، فالتنازع والتشاجر سبب في رفع البَركة، وفي رفع الخير الذي يحدث لهذه الأمة.
فربما كان هذا التشاجر خيرة لكي يُبعد كل المسلم عن التكاسل ويحثه على الاجَتهاد فيها بالعمل و الدعاء والصدقة، حتى لا يركن إلى الكسل والعجز ويُضيع شعور العبادة في شهر عظيم كرمضان، والاختلاف في تحديد ليلة القدر،اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافًا كثيرًا، وقد أورد الحافظ ابن حجر رحمه الله في “الفتح” أكثر من أربعين قولاً فيها، منها أنَّها رُفعت، ومنها أنَّها في جميع السنة، ومنها أنَّها في جميع ليالي رمضان، ومنها أنَّها أول ليلة من رمضان، وأنها ليلة النصف، وأنها ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وسبع وعشرين وغير ذلك من الأقوال. والرَّاجح أنَّها في العشر الأواخر من رمضان؛ فعن عائشة رضي الله عنهما قالت: كان رسولُ الله يُجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: «تَحرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان»، وعنها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تَحرَّوا ليلةَ القدر في الوتر من العشر الأواخر من شهر رمضان»، قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله: ينبغي أنْ يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعها، كما قال النبي: «تحروها في العشر الأواخر» ، وتكون في السبع الأواخر أكثر وأكثر ما تكون ليلة سبع وعشرين، كما كان أُبَي بن كعب يحلف أنَّها ليلة سبع وعشرين ،ولا شك أنَّ الحكمةَ في إخفاء ليلةِ القدر أنْ يَحصل الاجتهادُ في التماسها وطلبها.
فعلى المسلم والمسلمة أن يجتهدون في هذه الليالي القليلة التي تٌدخل مفاتيح الخير والفلاح والنجاة بإذن لله ، ونسأل الله أن نُوفق للعمل بها و ننال فيها أوفير النصيب من الخير والرحمة والرزق والتوفيق والصلاح ونيل الجنان أنه ولي ذلك والقادر عليه ، والحمدلله رب العالمين.

بقلم الكاتبة ــ عائشة العتيبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى