كتاب واصل

من ” جهيمان ” إلى تفجير ” المدينة “

111
الكاتب ” محمد معروف الشيباني “

 صُعِقَ  العالمُ  الإسلامي بالتفجير الإجرامي على بُعْدِ أمتارٍ من أشرفِ  بُقعةٍ على وجه البسيطة .. ثَرَى سيِّدِ  الخَلْقِ  و رياضِ  أكثر من عشرةِ  آلافِ  صحابيٍ  هُمْ  خير البشريةِ  بعد الأنبياء.

لا يجوز إعتبارالحادث حادثاً إرهاباً فقط .. بل هو ( حادثٌ نوعيٌّ ) بكل معاني الكلمة .. لا يقلُّ  شناعةً عن حادث إحتلال الحرم المكي قبل 37 عاماً من جهيمان  وعُصبتِه .

يحقُّ  لنا و قد عاصرنا تلك الأيام الدامية أن نستذكر دموع الْمَلِكِ  الصَّالِحِ  خالد بن عبد العزيز عندما بكى خاشعاً متذلِّلاً لخالقه ” كيف يحدث هذا في عهدي ” .. لم تكن كلماتِ  إعتراضٍ .. بل توجُّعاتِ  مُشْفقٍ  من أمانتِه تائبٍ  إلى ربِّه أن يكون قصَّر في شئ .

رحم الله نفسه الزكيّةَ و نفوسَ  إخوتِه ، مَنْ  مات منهم و من مازال بحمد الله .. فما قصَّروا في أماناتهم للحرمين .. و ما إزداد كلٌّ  منهم و من أبنائهم الوُلاةِ  إلَّا   تَذَلُّلاً و خشيةً  لمقاميْ  بيتِ  الله و مَثْوَى نبيِّه .

و لا نخال ، بل نوقِنُ ، أن الملك الصالح سلمانَ بن عبد العزيز يعتصر ألَماً و تَوَجُّعاً منذ لحظةِ سماعه نبأَ الإنفجار قربَ المسجد النبويّ .

لقد صدع بأمانةِ المسؤوليةِ 60 عاماً مُعتَزاً بعقيدته .. ذائداً عن حرَمَيْها .. مُشْفقاً على مواطنيه .. جندياً أبيّاً لوطنه .. مستشعِراً طوال حياته مكامنَ  الأخطار الحقيقيّة بلا إلتباسٍ  و لا سطحيّةٍ و لا ضَبابيّة .

و في هذه اللحظة التاريخيّة من عمر بلادنا الغالية ، تجدر مصارحةُ  أنفسنا مُستشعرين أحوالَنا مُشَخِّصين واقعنا .. فالوقت وقتُ  تَآزُرٍ و تصحيحٍ.

و لا بد من الوقفات التالية :

١ – لا يجوز شرعاً و لا عرفاً و لا أمْناً أن يمرَّ حادثُ التفجير قربَ المسجد النبويِّ  مرور بقيّةِ الحوادث الإرهابية .. و لا أقصد المراجعة الأمنيّة .. فالأمنُ  السعوديُّ  في سنامِ الحزم و الحسم و المراقبة و خدمة القاصي و الداني 24 ساعةً ..بل المقصود المراجعات الوطنية الأخرى التالية .

٢ – هذا الحادث ( حادثٌ نوعيٌّ ) بكل المعاني .. و لا أجد أشنع منه يمكن أن يمر ببلادنا مكاناً ( جوار القبر النبويّ ) و لا زماناً ( ساعة الإفطار في رمضان ) .

٣ – مادام ( حادثاً نوعياً ) فينبغي دراسةُ مسبباته و ظروفه و أبعاده و أهدافه ( العلنية ) و ( السرية ) للتعامل معها بالحزم الذي إستعادتْ  بلادنا زمامَه .

٤ – آنَ  لذوي الإدراك فينا أن يعوا أن المسألة ليست ( المناهج ) و لا ( حلقات تحفيظ القرآن ) كما خدعنا سفهاؤنا و صدقها بسطاؤنا 10 سنوات .. فأضاعوا بوصلتنا .. آنَ  لهم أن يُدركوا أن هدف الأعداء إنتزاع الحرمين منا .. من سعوديَّتِنا .. هكذا بوضوح لا مُواربةَ فيه .. فهل نستيقظ و نحتاط .؟.

لقد برع أعداءُ  بلادنا طوال الحقبة الماضية في ( إضعافِ ) أحوالِنا بطرقٍ شَتَّى ، ظاهرةٍ و خفيَّةٍ ، أنتَجَتْ ( تَقْزيمَ قوَّتِنا القِيَمِيَّةِ الدينيةِ  باجتهاداتٍ  إنفتاحيةٍ  ليبراليةٍ ) .. أي أضاعوا ( الوسطيّة ) .. بل هم لم يستهدفوها أصلاً .. إتخذوا ( التطرّف الديني ) ذريعةً  لبذرِ ( تطرفٍ ليبراليٍ ) مُصادمٍ  للمجتمع و مُناوئٍ  لتعاليمِ  الخالقِ  الرشيدةِ و سنَّةِ  نبيِّه السمحاء .. و أمثلةُ  ذلك  كثيرة .

و هدفُهم  البعيد ليس فقط ( مناقضة ) القيم الدينية و الإجتماعية السعودية التي لم تكن يوماً محلَّ  إستنكار المسلمين .. بل الهدف أن يأتي يومٌ  يُقالُ فيه ، بعد تَهَيئةِ الظروف الدولية من قوى عظمى و إقليمية و أممٍ متحدةٍ ، ( إن الحرميْن يستوجبان التدويل ) ليُسْلَخا من الجسدِ  الأمِّ  الذي  يُبْعَدُ  تدريجياً عن قِيَمِ الحرميْن بذرائع متعددة .

ثم سيُضيفون بُعدُ ( الحماية الأمنيّة ) لتبرير ضلالِ التدويل 

أي يكون هناك  بُعْدان لملف التدويل ، هما ( كراهيةُ المسلمين أن يَرَوْا ممارساتٍ يستنكرونها ببُلدانهم تُقامُ في بلاد الحرميْن ) و ( إخراجُ الحرمين من دائرةِ إستهدافِ معارضي المملكة حمايةً لهما ) .

٥ – يستشعر النَّاسُ و الدولُ  طريقيْن لتحصينهما من الأعداء .. و العقلاء لا يتركون أحدهما دون الآخر ..فالنصر ملازمٌ لَهُمَا مُجتمعيْن .. و هما :

                  • ( طريقُ الله ) .. باستنصارِه و إستدرارِ مَدَدِه .. و هذا لا يكون إلَّا  ( بإنفاذِ أوامرِه و نواهيه قولاً و عملاً لا مُداهنةً أو جدلاً ) و ( بالإبتهال الصادق الخاشع له .. فنحن مثلاً  تَناسيْنا القنوتَ  في الحرميْن و المساجدِ على أعدائنا منذ سنواتٍ رغم هوْلِ  المخاطرِ و الأعداء .. و لولا  ذَكَّرَنا  إيَّاه رمضانُ  لَظَنَنَّا سَوْءاتِ  تغييرِ المناهجِ  قد أتتْ عليه ).

                  • ( طريق و أعِدُّوا لهم ما إستطعتُم من قوّةٍ ) .. و هي تشمل القوات ( العسكريّةَ – الأمنيّةَ – السياسية ) و قد ظهر تفوُّقُنا فيها و لله الحمد .. و بقيتْ  أسلحةٌ أخرى تائهةٌ منذ عشر سنوات عن الوطن و قضاياه الحقيقية و تحدياته الإقليمية و المستقبلية و منها مثلاً ( الإعلام ) داخلياً و خارجياً .

٦ – ليست التحدياتُ  و لا المخاطر جديدةً على سفينة الوطن .. فبلادنا  مُستَهدَفُةٌ  لحرمَيْها و ثرواتِها .. لكن ما إستجدَّ علينا في العِقْدِ  الماضي هو هذا الإنقسامُ  الإجتماعي الذي لا يُمْكِنُ  أن يَنْتُجَ  إلَّا عن تخطيطٍ عميقٍ إستثمر أدواتٍ  قويةً  لتعميقه ، بعضُها خارجيٌّ  و بعضُها داخليٌّ ، و صالَ و جالَ فيه مواطنون و غيرُهُم ، بَعْضُهُمْ  جَهلاً و سطْحيّةً و بَعْضُهُمْ  خُبْثاً و طَوِيَّةً .

أفرز ذلك التقسيمُ و ما يزالُ  فئاتٍ  تتشكَّلُ  طائفياً أو مذهبيّاً أو حزبياً أو قَبَليّاً أو مَناطقيّاً أو فِئويّاً … إلخ .. لم نكن كذلك من قبل .. كنّا سعوديّين سعوديّين سعوديّين فقط .

  يَعزوا كثيرون توسع هذا التقسيم إلى مناخ الإنفتاح الإعلامي الذي إتخذتْه الدولة منذ عشر سنواتٍ  مَدفوعةً  بانفتاح وسائل التواصل العالمي .. و هو إجراءٌ صحيحٌ لو لم يُرافقْه إستئصالٌ  لشأْفَةِ رجالِ الإعلام الأكْفاء و تَنَكُّرٌ لقيمِ الإعلام السعودي الرشيد و إستبدالٌ بالأضعفِ  كفاءةً و الأقلِّ نضجاً و الأوْهى فِكْراً و سريرةً .

٧ – و يبقى السؤول الصعب : كيف سنخرجُ  كوطنٍ  من أحابيلِ الأعداء و شِراكِ المتربّصين داخلياً و خارجياً .؟. خاصةً  إِنْ  تأمَّلْنا تفجير المدينة على أنه  إنذارٌ و تنبيهٌ  إلهيٌ  يُخشى أن يكون له ما بعده .. ” رَبّنا  قَدَّرَ و لَطَفَ ” .

  الإجابة كالتالي : 

أ – إستعادة علاقتنا مع الله .. باستنصارِه و إستدرارِ  مَدَدِه و دعائه و إجلالِ أوامرِه و نواهيه حتى لو خالفتْ  هَوانا و مُستشارينا و مفكِّرينا .

 ب – مراجعةُ  كلِّ ما شَرّعناه أو سمحناه السنوات الماضية ، تماماً كما راجعنا إنجازَ المشاريع ، و ذلك بعرضه على علمائنا ( هيئة كبار العلماء ) لتتعلّق القرارات بذمَمِهِم وحدهُم .. فنحن نَرْبَأُ أن يَجتهد وُلاتُنا خطأً لا سمح الله فلا بديلَ لنا عنهم لأن بيْعتَنا لهم هي ( بيْعة لا نُقيلُ و لا نستقيل ) .

ج – تصحيح مسيرة المملكة الإعلامية .. و ليس المقصود تبديلَ الأشخاص .. بل يتعلق الأمر بمنظومة متكاملة متلازمة متناغمة من ( الإستراتيجيّات و الخطط و البرامج ) في ضوء ( الأهداف و التحديات و المخاطر و الطوارئ … إلخ ) .. على أن يكون ذلك مُطَوَّعاً و مترجِماً لرسالة المملكة و قيادتِها و إستقرارِها و مجتمعِها و مستقبلِها.

 د – إستمرار الإعداد الرشيدِ  لاستعادةِ  قوّتِنا الإقتصادية و التنمويّة كما تطمح إليها ( رؤية السعودية 2030 ) بكل الإصرارِ و العنفوانِ و حشدِ الرجال و الكفاءات .

هـ – صيانةُ  نَسيجِ  وحدةِ المصير و المستقبل و الأهداف بين القيادة و الشعب ، باعتباره ليس وليد اليوم و لا الظروف .. بل  بُنْيانٌ  مرصوصٌ منذ المؤسس .. إتَّخَذَ  عبر عقُودٍ ، عايش فيها الدسائس و الأفخاخَ ، حكمةً  رشيدةً .. هي ( لن يَصلُح  شأنُ  الوطن إلا بما صلُح به أوّلُه ).

 لم  يَبْنِ المؤسسُ عبد العزيز – رحمه الله و جزاه عن المسلمين خير ما جزى راعٍ عن رعيته – مملكتَنا بالثروة .. بل كان في شَظَف . لم يَبْنِها بالمداهنة .. بل بالإعتداد بدينه في كل محفل . لم  يُؤسس دولتَه على ديمقراطيةٍ أو ليبيرالية .. بل على حكم الشرع في الصغيرة و الكبيرة .

 و – هذا وقتُ  التلاحم خلف القيادة .. لا يشذُّ عنها إلَّا هالك .. ليس وقت ( إقتصاص ) و لا ( إقتناص ) .. رايتُنا واحدة .. و إبحارُنا هادرٌ .. و بوصلتُنا رشيدةٌ بهَدْيِ الله .

 ز – لا بد أن نحيّيَ  أبطالَ أمننا داخلياً و فُداةَ جيشنا على الحدود .. فنبتهل إلى الله كلُّنا سعوديُّون و مُقيمون و زُوّار أن يحفظهم بعينه التي لا تنام و إِنْ إختار أحدهم لجواره أن يُعطيه أجر شهيدٍ بما صدقَ ما عاهد عليه .. حتى لو مات على فراشه كسيف الله خالد بن الوليد .

ح – ينبغي أن نُحذِّر من سلاح لا يُقهر .. أفْتَك من الغاز و أمضى من الرصاص .. جِراحُه نازفةٌ .. و نزيفُه لا يلتئم .. نُدوبُه غائرة .. و آثاره لا تُمحى .. هو سلاح الجبناء يستخدمه الأقوياء لكوْنه أشنع من أسلحتهم و عتادهم .. جنوده جاهزون سريعون بلا أجرٍ و لا كُلْفةٍ .. يُدمّر دولاً .. و يُخذّلُ شعوباً .. و يجرف  مُكتسباتٍ .. و يُشعلُ نفوساً بالبغضاء و الشحناء فلا يعود السِّلْمُ و الراحةُ  لأيٍ منها .. إنه ( سلاح الإشاعات ) .. سُدُّوا أبوابَه قادةً و مواطنين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى