كتاب واصل

رجالنا بين مطرقة القرض وسندان الفقر

في ظل هذا العالم المتسارع والذي غص أهله بالكماليات يرضخ جل الرجال والموظفين منهم خاصة تحت وطأة القروض لتلبية الرغبات وتحقيق الاحتياجات وإتمامها بالكماليات .

الكاتب : "انور العكشان "
الكاتب :
“انور العكشان “

وقد أشرعت البنوك أبوابها وسال لعابها على كل موظف وموظفة وتنافسوا في استقطابهم وسعوا في طرق أبوابهم ليصلوا لجيوبهم ويضعوا آلة شفط ضخمةيركبونها على رواتبهم ويبرمجوها لتمتص جهدهم وعرقهم نهاية كل شهر ليصبح الموظف خالي الوفاض سريع الإنقضاض على المزيد من القروض لترقيع ما تخرق وستر ما تمزق وهكذا في دولاب دوار له بداية وليس له نهاية

ويمارس الأهل والعيال على ذي العقال من الرجال ضغوطاً متكررة لشراء سيارة يحسن بها الإختيال ومنزل وأثاث ذي بال ورحلات سياحة واستكشاف ليلتقطوا الصور هنا وهناك ويضعوها في السناب شات او انستقرام لتظهر العائلة بمظهر يليق بين قريناتها وحتى لا ينظر لهم نظرة دون واحتقار أو امتعاض واستهتار

ومادامت البنوك تُقدم فالرجل إليها يسعى ويتقدم وإذا شدوا حملهم في ظهره بالحبال ولم يجدوا متسعاً على ظهره لمزيد من الأثقال كرشوه وأبعدوه وعن بابهم طردوه فيلجأ بعد ذلك لمتصيدي الفرص من أصحاب مكاتب التقسيط فغلوا عنقه وضيقوا نفسه فالثلث الباقي من الراتب لمكاتب التقسيط حينها سيبدأ دوامة الفقر المدقع وتطرقه مطارق الهموم على سندان الفقر الأشنع وإن لم يأت له فرج من ربه سبحانه سوف يصاب بالهم والوسواس وربما يلجأ للنصب والاحتيال والكذب والمحاكم ويودع في غياهب السجون ثم تبدأ أسرته بالتكفف والسؤال ما لم يكن لهم ستر يستر عوراتهم ويقضي حاجاتهم

وهذا الأمر ليس صورة من الخيال بل هذا واقع مشاهد والمحاكم والسجون تثبت هذا الأمر بكل دليل وبرهان

وليت الأمر يقف لهذا الحد فلربما قرر المطروق بالقروض على سندان الفقر والحاجة أن ينهي حياته بالانتحار ويخسر الآخرة مع الدنيا ويلج النار والعياذ بالله من ذلك

ولقد نشرت الصحف قبل أيام شيخ كبير في الستينات انتحر بربط عنقه في مروحة الغرفة هرباً من الديون والفقر وحاجة الزوجة والبنات والعيال وهو عاحز عن ذلك بكل الأحوال

ووالله ما أزرى بالأمة إلا البنوك لما سهلت القروض وورطت المجتمع كله فيها فركبنا سيارات جديدة والقديمة كانت تكفي وسكنا في فلل ضخمة وشقة صغيرة كانت تكفي وبالغنا في المهور وحفلات الزواج والقصور والمهر اليسير على وليمة شاة أو اثنتين في منزل متواضع كان يفي بالغرض

ودخلنا في تجارات ومغامرات نريد الفكاك من الديون فزادتنا هماً وديناً وشغلاً

وإني أظن ولا أفتي فيها بحلال وحرام أن قروض البنوك ممحوقة البركة لورود شبهات الربا فيها والله تعالى يقول ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات)

ولما كان الناس قديما يلجئون للتجار في تقسيط السلع الواضحة ويستلمونها ويبيعونها في السوق كانت ديونهم فيها بركة وبنسب معقولة من حيث أن الناس لا يتسارعون إليها ولا يهرولون وكان الناس لا يقضون بها إلا الضروريات والحاجيات وكانت الكماليات نادرة ولا يلتفت إليها

أما الآن كل شيء في حياتنا كماليات

في اللباس والسكن والمراكب والرحلات والسياحات والأكل والمطاعم والألعاب والترفيه والحفلات

ومن لم يجاري المجتمع سيوصف بالبخل من وجه والفقر من وجه آخر وسوف تحتقر زوجته وعياله

والصورة الحقيقية التي تعكس واقعنا أننا في مستنقع نتكاتف فيه ويسحب بعضنا بعضاً إلى قاعه لنغرق سوياً رويدا رويدا حتى لا يبقى منا أحد إلا تمساح يلتهم جثثنا ويدعس عليها داخل المستنقع

من أرباب الأموال الطائلة وأرباب الأرصدة والفلل والعقارات فنسألك اللهم النجاة.

اللهم أقض الدين عن المدينين وفرج هم المهمومين ونفس كرب المكروبين وأكفنا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك.

أنور العكشان

25/4/1437

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى