كتاب واصل

( (بتاع كله ))

قد يمن الله عليك بالدراسة الشرعية ويؤتيك الله بعض مفاتيح علوم الشريعة فيسألك فئام من الناس فيجدون عندك جوابا ويوافق من الحق صوابا.

الكاتب : " انورالعكشان "
الكاتب : ” انورالعكشان “

وفي باب التقنية والأجهزة تكون لك هواية تصقلها الممارسة والاطلاع والتجربة وميدان العمل اليومي المتكرر في طابعه الرسمي او التطوعي .

وفي عالم المركبات والسيارات ربما خضت تجارب عديدة من الشراء والبيع والقيادة والأعطال والتردد على الورش مما أكسبك خبرة ومعرفة وإحاطة شمولية لا تفصيلية.

وفي الطب ربما تبتلى بأمراض في نفسك أو أهلك فتضطر لمراجعة الأطباء والعيادات وتقرأ عن الأدوية والعقاقير فتكتسب قلامة أظفر من خبرة طبية في عالم الطب العريض.

وفي الهندسة والبنيان قد بنيت بنفسك مباني عديدة لنفسك أو لأقاربك ومعارفك طيلة سنوات ماضيات فعرفت أسرارها وخضت غمارها.

وربما منّ الله عليك فنظمت أشعارا أو كتبت مقالاً تعبر فيه عن خلجات نفسك وما يدور في خاطرك .

ولربما طلبت الرزق في باب من أبواب التجارة تتحرى الرزق الحلال وتغني نفسك بها عن السؤال فأدركت بعض تفاصيلها وأسرارها وخضت ميدانها وغمارها .

وهذه التجارب المتعددة والمتنوعة قطعت بها في عمرك عقوداً من الزمان وأعطاك الله عقلاً يدركها ولساناً يتحدث عنها إذا عرض فيها مجال

ولست متصدراً في الحديث عنها ولا متعمداً إظهارها ولست وحدك في هذا المجال فغيرك قد حفظوا القرآن والصحاح وقرأوا كتب التاريخ والأدب والأشعار ويتحدثون بسبع لغات ونالوا في علوم متنوعة أعلى الدرجات .

وما أنت في بحرهم إلا قطرة أو دون ذلك .

ولكن يغيظك من إذا سمع حديثك في مجال قد جربته ومارسته قال لك (انت بتاع كله)  فأصبح العلم والتجربة مثلبة ، فكن جاهلاً صموتاً وإلا نقدوك .

والأعجب من ذلك أن تجدهم يتحدثون في كل مجال ويذكرون تجاربهم واسفارهم ومعارفهم وخبراتهم ولربما خاضوا غمار التخصصات الشرعية وأفتوا بجهل وظنون وخرص وتخمين.

فحلال لهم أن يخوضوا غمار تخصصك في علم الشريعة وحرام عليك أن تخوض غمار تجاربهم في علوم الدنيا .

فتكوّن لدي الناس وللأسف قاعدة ثابتة أن أهل العلم الشرعي يجب أن يكونوا بلداء أغبياء في أي مجال من مجالات الدنيا

مع ان الأصل أن تكون القاعدة مقلوبة فأهل العلم الشرعي يجب أن يكونوا أهل معرفة بعلوم الدنيا لأن الفتوى في أي شيء منها لا بد أن يكون عن علم فالحكم على الشيء فرع عن تصوره .

ناهيك أن أهل العلم الشرعي بشر كالبشر إن وظفوا عقولهم في أي مجال عرفوه وأدركوه كغيرهم ولا فرق

فما الذي ميزك عنهم لتدرك علوم الدنيا وتجاربها وهم في فهمك ينبغي أن لا يدركوها وإن أدركوها أصبحوا ( بتاع كله)  كما تزعم .

والأمر والأدهى أننا ندعوا الضعفاء من الطلاب لدخول التخصصات الشرعية والمتفوقين في علوم الدنيا وكأننا نقول للمجتمع نريد طبيباً ذكياً ومفتياً وقاضياً غبياً أو بليداً.

ولو حصل ذلك لحللنا الحرام وحرمنا الحلال وضلت الأمة وضيعت دينها

وخلاصة الكلام أن العقول البشرية الصحيحة إن دخلت في مجال من المجالات بالدراسة أو التجربة أدركت منه ما شاء الله لها أن تدرك وليست التجارب والعلوم حكراً على فئات دون فئات والله يمن بفضله على من يشاء.

اللهم علمنا ما ينفعنا وأنفعنا بما علمتنا وزدنا علماً يا عليم

أنور العكشان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى