كتاب واصل

الإعاقة ليست إعاقة مُطلقة

بقلم / عبد الفتاح أحمد الريس ( باحث تربوي ومؤرخ ومؤلف وكاتب صحفي)

يعتقد الكثير من الناس بأن الإعاقة تقتصر فقط على الذين فقدوا بعضاً من حواسهم كالسمع والبصر والنطق أو طرفاً من أطرافهم كاليدين أو القدمين بحيث لا يستطيعون القيام بأعباء الحياة بصورة طبيعية ولكن من يتعمق في هذا المفهوم يتبين له بأن الإعاقة تتجاوز هذه النظرة القاصرة إلى حيث عجز الإنسان عن المشاركة أو التفاعل مع أفراد مجتمعه لأسباب قد تكون مرضية كالشلل أو ضعف القدرات العقلية كما يحصل لبعض الطلاب حين يحدهم من استيعاب دروسهم المدرسية أو عدم مقدرة الشخص على التحدث أمام الناس أو قيادة مركبة لهيمنة الخوف عليه وينطبق ذلك على أي إنسان لا يستطيع تحقيق ما يتطلع إليه من أهداف حياتية من ناتج عقبات تواجهه ، والإعاقة وفقاً لتعريف مكتب العمل الدولي عبارة عن ضرر يمس فرداً مُعيناً وينتج عنه اعتلال أو عجز يمنعه من القيام بدوره الطبيعي فيما عرفت الإعاقة الدكتورة ماجدة بهاء الدين في كتابها تأهيل المعاقين بأنها عدم تمكن المرء من الحصول على الاكتفاء الذاتي وجعله في حاجة مستمرة لإعانة آخرين وتربية خاصة لكي يتغلب على إعاقته ولها أنواع ومنها إعاقة ذهنية وصعوبة تعلم وإعاقة بصرية وسمعية وإعاقة جسمية وتوحد. ومع أن الكثير من المعاقين يعايشون مصاعب جمة في مجمل حياتهم إلا أن البعض منهم يتجاوز هذه المعضلة من خلال استعمالهم لطرق ووسائل تعويضية كأن يكون أحدهم فاقد يديه فيستخدم قدميه بدلاً منها لتناول وجبة طعام أو يكتب رسائله بواسطة قلم يضعه بين اصبعي أحد قدميه ولعل ما قام به الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حينما حمل راية الإسلام بعضديه بعدما قطعت يداه على يد مقاتل بالجيش الروماني في غزوة مؤته وكذلك أبو العلاء المعري الذي تعلم اللغة العربية ونظم الشعر وهو فاقداً لبصره منذ صغره بسبب إصابته بمرض الجدري عوضاً عن الكاتبة الأمريكية كيلر هيلين آدامز العمياء والصماء والعرجاء وإصرارها المستمر على التعليم وتأليفها لعدد من الكتب ومنها (قصة حياتي والعالم الذي أعيش فيه) خير شاهد لذلك ، فثقة المعاق أو المعاقة بنفسهما وقوة إرادتهما وعزيمتهما وطموحاتهما من شأنه يُحفزانهما على تجاوز مثل هذه الظروف بل والتكيف مع الأجواء المحيطة بصورة أو بأخرى والعكس صحيح حينما يشعران بأنهما رهينا إعاقتهما وأنهما محبطان وغير فاعلان في مجتمعهما وهو ما ينبغي الإنتباه إليه لمن يقوم برعايتهما أو يقعان تحت مسئوليتهما بحيث لا يتركانهما لوحدهما لكي يتصارعا مع نفسهما وإنما يُقدم لهما كافة ما يلزم لحياتهما من رعاية نفسية تتضمن توعيتهما بمدى أهمية الإيمان بالله تعالى الذي قدر عليهما هذه الإعاقة وأنهما كلما تحملا وصبرا عليها نالا ثواب الله العظيم يوم القيامة مصداقاً لقوله تعالى ( وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) وفي الحديث إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه (عيناه) فصبر عوضته عنهما بالجنة بالإضافة للنواحي الصحية ووقايتهما من الأمراض الوراثية والأوبئة الفتاكة لا سيما إذا ما كانا في مرحلة الطفولة وكذلك حماية عامة الشباب من مخاطر السرعة المتناهية عند قيادتهم لسياراتهم أو تعاطيهم المخدرات والتي عادة ما ينشأ عنها انعكاسات صحية ونفسية وعاهات تتطلب علاجاً طويلاً ولأن تأهيل هذه الفئة غاية في الأهمية فإن هذا ما يتوجب على أسرهم ومن يقوم برعايتهم في المراكز المتخصصة العمل على مساعدتهم لتحقيق التكيف والاندماج مع أفراد مجتمعهم وتعويدهم على الاعتماد على أنفسهم وتدريبهم وتنمية قدراتهم لتمكينهم من القيام بأعمال مهنية مناسبة تعود عليهم بالنفع وعظيم الفائدة وهو ما تقوم به حكومتنا الرشيدة في هذا الاتجاه منذ سنين طويلة من خلال إنشائها لمعاهد متخصصة في مختلف مناطق المملكة يُشرف عليها ويديرها موظفون أكفاء ومتخصصون ممن يتسمون بأخلاق عالية في التعامل علاوة على تقديم كافة الخدمات الوقائية والعلاجية والتأهيلية لهم إلى الحد الذي يكاد الشخص فيهم لا يشعر بأنه مُعاق بالإضافة لما يحتاجونه من أدوات وأجهزة تعليمية وكراسي متحركة تساعدهم على التنقل ومكافئات مالية سخية لتشجيعهم وزيادة فاعليتهم وإنتاجهم فيما يقومون به من أعمال في كافة المجالات وهو ما جعل المملكة بهذا الدور الريادي تتصدر دول العالم في هذا الجانب الإنساني بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وبما أن مُصطلح الإعاقة يغلب عليه الشعور بالدونية والعجز والاحباط فقد تم استبداله بمُسمى ذوي الاحتياجات الخاصة ومن ثم مُسمى ( أصحاب الهمم )وهناك لوحات ارشادية تم وضعها في أماكن مُعية ومتميزة لوقوفهم أو انتظارهم أو نزولهم كالدوائر الحكومية والأسواق التجارية والمطارات والصيدليات يقول الشاعر وهو ما نختتم به مقالنا هذا: ومن يتهيب صعود الجبال * يبت أبد الدهر بين الحفر وللجميع موفوراً من الصحة والسعادة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى