كتاب واصل

القوة القاهرة في نظام التجارة الإلكترونية

كتبه : المحامي والموثق
حسين ناجع العجمي

يعيش العالم اليوم حالة حذر وتأهب بسبب فيروس “كورونا كوفيد19” الذي يواصل الانتشار والتمدد بسرعةٍ لافتة شرقا وغربا شمالا وجنوبا، وبعيدا عن الإصابات والوفيات التي خلّفها هذا الوباء العالمي، فقد أثارت مخاطره العديد من الإشكالات والآثار السلبية التي يمكن رصد ملامحها بوضوح على العلاقات القانونية عموما والعلاقات التعاقدية خصوصا لاسيما فيما يتعلق ببعض المعاملات التجارية والعقود والاتفاقات المالية والضريبية، حيث تتصدع هذه الروابط نتيجة الركود الذي يصيب بعض القطاعات، مما يجعل من المستحيل أو على الأقل من الصعب تنفيذ بعض الالتزامات أو يؤخّر تنفيذها.

ولعلي أعرج على هذا الكلام في خضم الخسائر الفادحة التي ألحقها انتشار وباء كورونا بالتجارة التقليدية التي باتت تنطوي على الكثير من المخاطر الصحية التي تنتج عن الاحتكاك المباشر بين الناس، الأمر الذي يؤدي بالشركات التي تتعامل بهذا النوع من التجارة إلى فسخ عقودها ورفض الاستمرار في عملها، تنفيذا لتعليمات عدم التجمّع.
وفي ظل تأثر قطاع التجارة التقليدية نتيجة لوباء فيروس “كورونا”، يأتي قطاع التجارة الإلكترونية وعالم التطبيقات، كأكبر المستفيدين من تلك الأزمة، الذي يحقق نمواً ملحوظاً، ويشهد انتعاشاً وإقبالاً كبيرين بمختلف الدول ومن بينها المملكة التي أخذت على عاتقها توفير وتأمين احتياجاتها بواسطة “الأون لاين” كنوع من التكيف مع متطلبات الظروف الراهنة والاحترازات المفروضة وتنفيذا لتوجيهات وزارة الصحة وحرصها الشديد ،وفي احدى تغريداتها (الزم بيتك وصحتك وصحة من حولك هي أهم راس المال …) رجعة بي الذاكرة وانا ادرس ابنائي في الصفوف الأولى :
أنا أحب بيتنا ….لأن فيه جدنا
وفيه أمي وأبي … وفيه أختي وأنا
وحوله حديقة … أشجارها تظلنا
وجارنا نعزه …. كأنه أخ لنا
يا بيتنا يا بيتنا … فيك السعادة والهنا).
نرجع لموضوعنا فمع لزوم الملايين لمنازلهم فإنهم يلجأون إلى الاعتماد على الخدمات الإلكترونية التي تسمح لهم بالتكيف مع هذه الظروف الاستثنائية السائدة للحصول على كل ما يحتاجونه من سلع وخدمات من خلال هذا النوع من التجارة والتي يتوقع أن يزداد الطلب عليها على المدى الطويل، حتى عندما تنتهي جائحة كورونا ستواصل نشاطها بشكل أكبر مما كانت عليه قبل الأزمة، وهذا ليس غريبا فطالما اعتبرت التجارة الإلكترونية واحدا من أهم وأشهر مصطلحات عصر تكنولوجيا المعلومات والمعرفة وهي عبارة عن أسواق حرة متاحة للجميع محلياً وعالمياً لتوفير خدمات للمستهلكين إلكترونياً. وقد شهدت مؤخرا نموا كبيرا وأصبحت سوقا واعدة عالميا تزيد قيمتها على 30 تريليون دولار.
وأمام انتعاش هذا القطاع وفي ظل تفشي فيروس كورونا، أصبحت كثير من الشركات أمام إشكال قانوني تمثل في تبنيها نظرية القوة القاهرة التي تحتمل كثيرا من التأويلات ووجهات النظر حول مدى توافر شروطها من عدمه، لاسيما تأثير هذا الوباء على الظروف المحيطة وأيضا على علاقات تلك الشركات الاقتصادية ومبادلاتها التجارية بشكل يعوق تنفيذ التزاماتها وإنتاجياتها وخدماتها، وهو ما يثير النقاش مجددا نظرية القوة القاهرة ومدى إمكانية استفادة هذه الشركات منها للتحلل من التزاماتها أو التخفيف منها.
وكما تضمنت معظم الأنظمة والقوانين المعاصرة مبدأ (القوة القاهرة)، فقد جاء هذا المبدأ في الأنظمة المحلية كما هو الحال في نظام التجارة الإلكترونية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/126 وتاريخ 7/11/1440هـــ والذي جاء بصريح النص “القوة القاهرة” وفقا لمقتضى المادة (14) الفقرة (1) ونصها: “ما لم يتفق موفر الخدمة أو المستهلك على مدة أخرى لتسليم محل العقد أو تنفيذه يحق للمستهلك فسخ العقد إذا تأخر موفر الخدمة عن التسليم او
التنفيذ مدة تزيد على خمسة عشر يوماً من تاريخ إبرام العقد أو عن الموعد المتفق عليه، وله استرداد ما دفعه بمقتضى العقد مقابل المنتج او الخدمة أو غير ذلك من تكاليف ترتبت على هذا التأخير ما لم يكن التأخير بسبب قوة قاهرة”.
ووفقا لهذا النظام، فإنه إذا حصل اختلاف بين موفر الخدمة والمستهلك في مرحلة تنفيذ العقد وذلك بسبب القوة القاهرة ، فإنه من الممكن معالجة ذلك متى ما توافرت أركان هذا العقود وشروطه والتي يصبح عندها التعاقد نافذاً ومنتجا لأثاره القانونية ” في حالة فسخ التعاقد “وفي الوقت أكد النظام على أنه لا يحق لأي من الطرفين الرجوع عنها بإرادتهما المنفردة بشرط الوفاء بما تم الاتفاق عليه وعدم انفراد طرف دون آخر بنقضه أو تعديله إلا باتفاقهما ولكني للأسف أجد كثيرين تبنوا مبدأ (القوة القاهرة) كمخرج للتنصل من التزاماتهم التعاقدية تجاه عملائهم وعدم أداء غرامات التأخير أو التعويض عن التأخير في التنفيذ أو عن استحالته على الرغم من قاعدة “العقد شريعة المتعاقدين” والتي تقوم على احترام مضمون العقد ، وهذا في رأيي يقتضي من كافة الأطراف إبراء مسؤولياتهم التعاقدية التي متى كان صعبا عليهم الوفاء بها، نتيجة ظروف استثنائية تخرج عن نطاق سيطرتهم كما هو الحال فيما نحن نعيشه اليوم من تفشي وباء كرونا.
وفي الأخير لا يفوتني الإشادة بتوجه مملكتنا الحبيبة إلى التجارة الإلكترونية وتنظيم عملياتها بالموافقة على نظام التجارة الإلكترونية وإنشاء مجلس التجارة الإلكترونية، ولاشك أنها خطوات استراتيجية لتحقيق أهداف رؤية 2030 التي تعمل المملكة من خلالها على إكمال مسيرة التقدم في مؤشر التجارة الإلكترونية باحتلالها المرتبة 35 لتوائم جهودها وتواكب التطورات العالمية لهذه التجارة، وتوجد منصات تسوق في الفضاء الرقمي وفقاً لما يفضله التاجر والمستهلك ورغباته .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى